فصل: مَا جَاءَ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


مَا جَاءَ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَالْأَمْرُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَلاَمُ النَّاسِ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ شَيْئًا ثُمَّ أَبَاحَهُ فَكَانَ أَمْرُهُ إحْلاَلَ مَا حَرَّمَ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا‏}‏ وَكَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَرَّمَ الصَّيْدَ عَلَى الْمُحْرِمِ وَنَهَى عَنْ الْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ ثُمَّ أَبَاحَهُمَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ الَّذِي حَرَّمَهُمَا فِيهِ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ إلَى مَرِيئًا وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا كَثِيرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ أَنَّ حَتْمًا أَنْ يَصْطَادُوا إذَا حَلُّوا وَلاَ يَنْتَشِرُوا لِطَلَبِ التِّجَارَةِ إذَا صَلَّوْا وَلاَ يَأْكُلُ مِنْ صَدَاقِ امْرَأَتِهِ إذَا طَابَتْ عَنْهُ بِهِ نَفْسًا وَلاَ يَأْكُلُ مِنْ بَدَنَتِهِ إذَا نَحَرَهَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَلَّهُمْ عَلَى مَا فِيهِ رُشْدُهُمْ بِالنِّكَاحِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ يَدُلُّ عَلَى مَا فِيهِ سَبَبُ الْغِنَى وَالْعَفَافِ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «سَافِرُوا تَصِحُّوا وَتُرْزَقُوا» فَإِنَّمَا هَذَا دَلاَلَةٌ لاَ حَتْمٌ أَنْ يُسَافِرَ لِطَلَبِ صِحَّةٍ وَرِزْقٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالنِّكَاحِ حَتْمًا وَفِي كُلٍّ الْحَتْمُ مِنْ الرُّشْدِ فَيَجْتَمِعُ الْحَتْمُ وَالرُّشْدُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَمْرُ كُلُّهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالدَّلاَلَةِ عَلَى الرُّشْدِ حَتَّى تُوجَدَ الدَّلاَلَةُ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْحَتْمُ فَيَكُونُ فَرْضًا لاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا حَتْمٌ وَكَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ فَذَكَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَعًا فِي الْأَمْرِ وَأَفْرَدَ الْحَجَّ فِي الْفَرْضِ فَلَمْ يَقُلْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْعُمْرَةُ عَلَى الْحَتْمِ وَإِنْ كُنَّا نُحِبُّ أَنْ لاَ يَدَعَهَا مُسْلِمٌ وَأَشْبَاهُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مُحَرَّمٌ حَتَّى تُوجَدَ الدَّلاَلَةُ عَلَيْهِ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ عَلَى غَيْرِ التَّحْرِيمِ وَأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْإِرْشَادُ أَوْ تَنَزُّهًا أَوْ أَدَبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أَيْضًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَمَنْ قَالَ الْأَمْرُ عَلَى غَيْرِ الْحَتْمِ حَتَّى تَأْتِيَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ حَتْمٌ انْبَغَى أَنْ تَكُونَ الدَّلاَلَةُ عَلَى مَا وُصِفَتْ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَمَا وَصَفْنَا فِي مُبْتَدَأِ كِتَابِ اللَّهِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَأَشْبَاهٌ لِذَلِكَ سَكَتْنَا عَنْهُ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرْنَا عَمَّا لَمْ نَذْكُرْ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّهُ إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرٍ فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَعْنَاهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ فَيَكُونَانِ لاَزِمَيْنِ إلَّا بِدَلاَلَةِ أَنَّهُمَا غَيْرُ لاَزِمَيْنِ وَيَكُونُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏«فأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِمْ إتْيَانُ الْأَمْرِ فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كُلِّفُوا مَا اسْتَطَاعُوا فِي الْفِعْلِ اسْتِطَاعَةَ شَيْءٍ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مُتَكَلَّفٌ وَأَمَّا النَّهْيُ فَالتَّرْكُ لِكُلِّ مَا أَرَادَ تَرْكُهُ يَسْتَطِيعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَكَلُّفِ شَيْءٍ يَحْدُثُ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُكَفُّ عَنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ تِلاَوَةِ الْكِتَابِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَّةِ طَلَبُ الدَّلاَئِلِ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَ الْحَتْمِ وَالْمُبَاحِ وَالْإِرْشَادِ الَّذِي لَيْسَ بِحَتْمٍ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعًا‏.‏

قَالَ فَحَتْمٌ لاَزِمٌ لِأَوْلِيَاءِ الْأَيَامَى وَالْحَرَائِرِ البوالغ إذَا أَرَدْنَ النِّكَاحَ وَدُعُوا إلَى رِضًا مِنْ الْأَزْوَاجِ أَنْ يُزَوِّجُوهُنَّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَإِنْ شَبَهَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ مُبْتَدَأَ الآيَةِ عَلَى ذِكْرِ الْأَزْوَاجِ فَفِي الآيَةِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَضْلِ الْأَوْلِيَاءَ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ فَبَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الْأَجَلَ فَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهَا فَكَيْفَ يَعْضُلُهَا مَنْ لاَ سَبِيلَ وَلاَ شِرْكَ لَهُ فِي أَنْ يَعْضُلَهَا فِي بَعْضِهَا‏؟‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ تَحْتَمِلُ إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِلْأَزْوَاجِ‏:‏ ‏{‏إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى وَأَنَّهَا لاَ تَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهَا إذَا قَارَبَتْ بُلُوغَ أَجَلِهَا أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ فَقَدْ حَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا أَنْ تُنْكَحَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏ فَلاَ يَأْمُرُ بِأَنْ لاَ يَمْنَعَ مِنْ النِّكَاحِ مَنْ قَدْ مَنَعَهَا مِنْهُ إنَّمَا يَأْمُرُ بِأَنْ لاَ يَمْتَنِعَ مِمَّا أَبَاحَ لَهَا مَنْ هُوَ بِسَبَبٍ مِنْ مَنْعِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَقَدْ حَفِظَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلاً فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ طَلَبَ نِكَاحَهَا وَطَلَبَتْهُ فَقَالَ زَوَّجْتُك دُونَ غَيْرِك أُخْتِي ثُمَّ طَلَّقْتهَا لاَ أُنْكِحُك أَبَدًا فَنَزَلَتْ ‏{‏إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ إلَى أَزْوَاجَهُنَّ قَالَ وَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ مَعَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي ذِكْرِ الْأَوْلِيَاءِ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ عَلَى وَلِيِّ الْحُرَّةِ أَنْ يَنْكِحَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» وَقَالَ‏:‏ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَكَانَ النِّكَاحُ يَتِمُّ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهَا النِّكَاحَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ يُنْكِحُ الْمَرْأَةَ لاَ وَلِيَّ لَهَا وَالْمَرْأَةُ لَهَا وَلِيٌّ يَمْتَنِعُ مِنْ إنْكَاحِهَا إذَا أَخْرَجَ الْوَلِيُّ نَفْسَهُ مِنْ الْوِلاَيَةِ بِمَعْصِيَتِهِ بِالْعَضْلِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُثْبَتَانِ فِي كِتَابِ الْأَوْلِيَاءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَالرَّجُلُ يَدْخُلُ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ فِي مَعْنَى الْأَيَامَى الَّذِينَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُنْكِحُوهُنَّ إذَا كَانَ مَوْلًى بَالِغًا يَحْتَاجُ إلَى النِّكَاحِ وَيَقْدِرُ بِالْمَالِ فَعَلَى وَلِيِّهِ إنْكَاحُهُ فَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ وَالسُّنَّةُ فِي الْمَرْأَةِ خَاصَّةً لَزِمَ ذَلِكَ عِنْدِي الرَّجُلَ لِأَنَّ مَعْنَى الَّذِي أُرِيدَ بِهِ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ الْعَفَافُ لِمَا خُلِقَ فِيهَا مِنْ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَذَلِكَ فِي الرَّجُلِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ إذَا كَانَ الرَّجُلُ وَلِيَّ نَفْسِهِ وَالْمَرْأَةِ أَحْبَبْت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّكَاحَ إذَا كَانَ مِمَّنْ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِ وَرَضِيَهُ وَنَدَبَ إلَيْهِ وَجَعَلَ فِيهِ أَسْباب مَنَافِعَ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا‏}‏ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً‏}‏ وَقِيلَ إنَّ الْحَفَدَةَ الْأَصْهَارُ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا‏}‏ فَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمْ الْأُمَمَ حَتَّى بِالسَّقْطِ»‏.‏

وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ»‏.‏

وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ» وَيُقَالُ إنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ مَا رَأَيْت مِثْلَ مَنْ تَرَكَ النِّكَاحَ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ ‏{‏إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنْ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ لاَ يَنْكِحَ فَقَالَتْ لَهُ حَفْصَةُ تَزَوَّجْ فَإِنْ وُلِدَ لَك وَلَدٌ فَعَاشَ مِنْ بَعْدِك دَعَوْا لَك‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَمَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى النِّكَاحِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِأَنْ لَمْ تُخْلَقْ فِيهِ الشَّهْوَةُ الَّتِي جُعِلَتْ فِي أَكْثَرِ الْخَلْقِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ‏}‏ أَوْ بِعَارِضٍ أَذْهَبَ الشَّهْوَةَ مِنْ كِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ أَرَى بَأْسًا أَنْ يَدَعَ النِّكَاحَ بَلْ أُحِبُّ ذَلِكَ وَأَنْ يَتَخَلَّى لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَوَاعِدَ مِنْ النِّسَاءِ فَلَمْ يَنْهَهُنَّ عَنْ الْقُعُودِ وَلَمْ يَنْدُبْهُنَّ إلَى نِكَاحٍ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَذَكَرَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَسَيِّدًا وَحَصُورًا‏}‏ وَالْحَصُورُ الَّذِي لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَمْ يَنْدُبْهُ إلَى نِكَاحٍ فَدَلَّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ إلَيْهِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّنْ يَكُونُ مُحْصَنًا لَهُ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالْمَعَانِي الَّتِي فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَالرَّجُلُ لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ إذَا نَكَحَ فَقَدْ غَرَّ الْمَرْأَةَ وَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْمُقَامِ أَوْ فِرَاقِهِ إذَا جَاءَتْ سَنَةُ أَجَلِهَا مِنْ يَوْمِ يَضْرِبُ لَهُ السُّلْطَانُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أُحِبُّ النِّكَاحَ لِلْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ اللَّاتِي لاَ يَطَؤُهُنَّ سَادَاتُهُنَّ احْتِيَاطًا لِلْعَفَافِ وَطَلَبِ فَضْلٍ وَغِنًى فَإِنْ كَانَ إنْكَاحُهُنَّ وَاجِبًا كَانَ قَدْ أَدَّى فَرْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَانَ مَأْجُورًا إذَا احْتَسَبَ نِيَّتَهُ عَلَى الْتِمَاسِ الْفَضْلِ بِالِاحْتِيَاطِ وَالتَّطَوُّعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أُوجِبُهُ إيجَابَ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ لِأَنِّي وَجَدْت الدَّلاَلَةَ فِي نِكَاحِ الْأَحْرَارِ وَلاَ أَجِدُهَا فِي نِكَاحِ الْمَمَالِيكِ‏.‏

مَا جَاءَ فِي عَدَد مَا يَحِلّ مِنْ الْحَرَائِر وَالْإِمَاء وَمَا تَحِلّ بِهِ الْفُرُوج

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ فَأَطْلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا مَلَكَتْ الْأَيْمَانُ فَلَمْ يَحُدَّ فِيهِنَّ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَتَسَرَّى كَمْ شَاءَ وَلاَ اخْتِلاَفَ عَلِمْته بَيْنَ أَحَدٍ فِي هَذَا وَانْتَهَى مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِالنِّكَاحِ إلَى أَرْبَعٍ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيَّنَةُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ انْتِهَاءَهُ إلَى أَرْبَعٍ تَحْرِيمًا مِنْهُ لاََنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لاَ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يَنْكِحَ فِي عُمُرِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ إذَا كُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ مَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ وَلِأَنَّهُ أَبَاحَ الْأَرْبَعَ وَحَرَّمَ الْجَمْعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ فَقَالَ لِغَيْلاَنَ بْنِ سَلَمَةَ وَنَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِمَا وَأَسْلَمُوا وَعِنْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ «أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ وَذَلِكَ مُفَرَّقٌ فِي مَوَاضِعِهِ فِي الْقَسْمِ بَيْنَهُنَّ وَالنَّفَقَةِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ دَلِيلٌ عَلَى أَمْرَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَحَلَّ النِّكَاحَ وَمَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ‏.‏ وَالثَّانِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَبَاحَ الْفِعْلَ لِلتَّلَذُّذِ وَغَيْرِهِ بِالْفَرْجِ فِي زَوْجَةٍ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَمِنْ الدَّلاَلَةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ وَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي تَحْرِيمِ مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ مِنْ الْبَهَائِمِ فَلِذَلِكَ خِفْت أَنْ يَكُونَ الِاسْتِمْنَاءُ حَرَامًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ أُبِيحَا لِلْفَرْجِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يُحِلَّهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا إنَّمَا أُمِرُوا بِالِاسْتِعْفَافِ عَنْ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمَرْءُ بِالْفَرْجِ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ بِهِ فَيَصْبِرُ إلَى أَنْ يُغْنِيَهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَيَجِدُ السَّبِيلَ إلَى مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ‏}‏ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالِاسْتِعْفَافِ أَنْ لاَ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا‏.‏

فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ مِلْكَ يَمِينٍ فَقَالَ فَلِمَ لاَ تَتَسَرَّى عَبْدَهَا كَمَا يَتَسَرَّى الرَّجُلُ أَمَتَهُ‏؟‏ قُلْنَا إنَّ الرَّجُلَ هُوَ النَّاكِحُ الْمُتَسَرِّي وَالْمَرْأَةَ الْمَنْكُوحَةُ المتسراة فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ بِالشَّيْءِ خِلاَفُهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُخَالِفُهُ‏؟‏ قُلْنَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ الْمَرْأَةَ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهُ، وَيُطَلِّقُهَا وَاحِدَةً فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ كَرِهَتْ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْعَهَا لَهُ وَأَنَّهُ الْقَيِّمُ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا لاَ تَكُونُ قَيِّمَةً عَلَيْهِ وَمُخَالِفَةً لَهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لَهَا أَنْ تَتَسَرَّى عَبْدًا لِأَنَّهَا المتسراة وَالْمَنْكُوحَةُ لاَ الْمُتَسَرِّيَةُ وَلاَ النَّاكِحَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ لاَ زَوْجَةَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ قُلْنَا حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ لَهُ طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ رَجْعَةً أَوْ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَلَيْسَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مَكَانَهُنَّ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لاَ زَوْجَةَ لَهُ وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يَنْكِحُ أُخْتَ إحْدَاهُنَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ كَانَ فِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا خَاطَبَ بِهَا الْأَحْرَارَ دُونَ الْمَمَالِيكِ لِأَنَّهُمْ النَّاكِحُونَ بِأَنْفُسِهِمْ لاَ المنكحهم غَيْرُهُمْ وَالْمَالِكُونَ لاَ الَّذِينَ يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ وَهَذَا ظَاهِرُ مَعْنَى الآيَةِ وَإِنْ احْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ عَلَى كُلِّ نَاكِحٍ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مَالِكًا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَتَسَرِّيه‏.‏

الْخِلاَفُ فِي هَذَا الْبَابِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ لَهُ ثَلاَثًا أَوْ طَلاَقًا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ لاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَلاَ يَنْكِحُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ وَلاَ يَجْمَعُ مَاءَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثَلاَثًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا فِي عِدَّتِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ هَلْ لِمُطَلِّقِ نِسَائِهِ ثَلاَثَةً زَوْجَةٌ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ لاَ زَوْجَةَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا وَحَرَّمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي إبَاحَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَهَلْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَّقَ إحْدَاهُمَا ثَلاَثًا وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَحْكَامًا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ‏}‏ أَفَرَأَيْت الْمُطَلِّقَ ثَلاَثًا إنْ آلَى مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ أَيَلْزَمُهُ إيلاَءٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت فَإِنْ تَظَاهَرَ أَيَلْزَمُهُ الظِّهَارُ‏؟‏ قَالَ لاَ‏:‏ قُلْت فَإِنْ قَذَفَ أَيَلْزَمُهُ اللِّعَانُ أَوْ مَاتَ أَتَرِثُهُ أَوْ مَاتَتْ أَيَرِثُهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَإِنْ كَانَتْ تَعْتَدُّ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت لَهُ فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَحْكَامٍ لِلَّهِ خَالَفْتهَا وَحَرَّمْت عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا وَقَدْ أَبَاحَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَأَنْ يَنْكِحَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ إذَا نَكَحَهَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا وَهِيَ فِي عَدَدِ مَنْ أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ، فَأَنْتَ تُرِيدُ زَعَمْت إبْطَالَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ بِأَنْ تَقُولَ تُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَهِيَ لاَ تُخَالِفُهُ وَهِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُخَالِفُ أَنْتَ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ لاَ تَدَّعِي فِيهَا خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ خَبَرًا صَحِيحًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ قَدْ قَالَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ، قُلْت‏:‏ فَإِنَّ مَنْ سَمَّيْت مِنْ التَّابِعِينَ وَأَكْثَرَ مِنْهُمْ إذَا قَالُوا شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي يُقْبَلُ مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ إجْمَاعٍ فَمَنْ كَانَ عِنْدَك هَكَذَا يُتْرَكُ قَوْلُهُ لاَ يُخَالِفُ بِهِ غَيْرَهُ أَتَجْعَلُهُ حُجَّةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏؟‏ وَمَنْ قَالَ قَوْلَك فِي أَنْ لاَ يَنْكِحَ مَا دَامَ الْأَرْبَعُ فِي الْعِدَّةِ وَجَعَلَهَا فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ يَلْحَقُهَا الْإِيلاَءُ وَالظِّهَارُ وَاللِّعَانُ وَيَتَوَارَثَانِ قَالَ فَمَا أَقُولُهُ‏؟‏ قُلْت فَلِمَ لاَ تَكُونُ فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ عِنْدَك فِي مَعْنًى وَاحِدٍ دُونَ الْمَعَانِي فَقَالَ أَقَالَ قَوْلَك غَيْرُك‏؟‏ قُلْت نَعَمْ‏:‏ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعُرْوَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ دَارِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ حَرَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَنْ يَحْكِيَ قَوْلَ أَحَدٍ لِثُبُوتِ الْحُجَّةِ فِيهَا بِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْصُوصَةِ الَّتِي لاَ يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرِهَا لِأَنَّهُ لاَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ ظَاهِرِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولاَنِ فِي الرَّجُلِ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَيُطَلِّقُ إحْدَاهُنَّ أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَ وَلاَ يَنْتَظِرُ أَنْ تَمْضِيَ عِدَّتُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ فَإِنِّي إنَّمَا قُلْت هَذَا لِئَلَّا يَجْتَمِعَ مَاؤُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَلِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِي أُخْتَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ فَإِنَّمَا كَانَ لِلْعَالِمِينَ ذَوِي الْعُقُولِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولُوا مِنْ خَبَرٍ أَوْ قِيَاسٍ عَلَيْهِ، وَلاَ يَكُونَ لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهُمَا عِنْدَنَا وَعِنْدَك‏.‏

وَلَوْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهُمَا كَانَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَقُولَ مَعَهُمْ‏؟‏ قَالَ أَجَلْ‏.‏ قُلْت‏:‏ أَفَقُلْت قَوْلَك هَذَا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ أَوْ قِيَاسٍ فَهُوَ خِلاَفُ هَذَا كُلِّهِ وَلَيْسَ لَك خِلاَفٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي أَصْلِ مَا تَقُولُ، قَالَ يَتَفَاحَشُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَاؤُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ فِي أُخْتَيْنِ‏:‏ قُلْت الْمُتَفَاحَشُ أَنْ تُحَرِّمَ عَلَيْهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ وَقُلْت لَهُ‏:‏ لَوْ كَانَ فِي قَوْلِك لاَ يَجْتَمِعُ مَاؤُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ حُجَّةً فَكُنْت إنَّمَا حَرَّمْت عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْأَرْبَعِ لِلْمَاءِ كُنْت مَحْجُوجًا بِقَوْلِك قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت أَرَأَيْت إذَا نَكَحَ أَرْبَعًا فَأَغْلَقَ عَلَيْهِنَّ، أَوْ أَرْخَى الْأَسْتَارَ وَلَمْ يَمَسَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أَعَلَيْهِنَّ الْعِدَّةُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَيَنْكِحُ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ دَخَلَ بِهِنَّ فَأَصَابَهُنَّ ثُمَّ غَابَ عَنْهُنَّ سِنِينَ ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قَبْلَ الطَّلاَقِ بِثَلاَثِينَ سَنَةً أَيَنْكِحُ فِي عِدَّتِهِنَّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ كَانَ يَعْزِلُ عَنْهُنَّ ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ أَيَنْكِحُ فِي عِدَّتِهِنَّ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ قَوْلُك إنَّمَا حَرَّمْت عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ فِي عِدَّتِهِنَّ لِلْمَاءِ كَمَا وَصَفْت أَتُبِيحُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ فِي عِدَّةِ مَنْ سَمَّيْت وَفِي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ تَلِدُ فَيُطَلِّقُهَا سَاعَةً تَضَعُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا وَفِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا حَائِضًا أَتُبِيحُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِمَا لَزِمَك فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقُلْت أَعْزِلْ عَمَّنْ نَكَحْت وَلاَ تُصِبْ مَاءَك حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ نِسَائِك اللَّاتِي طَلَّقْت‏؟‏ قَالَ أَفَأَقِفُهُ عَنْ إصَابَةِ امْرَأَتِهِ‏؟‏ فَقُلْت يَلْزَمُك ذَلِكَ فِي قَوْلِك قَالَ وَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُنِي أَفَتَجِدُنِي أَقُولُ مِثْلَهُ‏؟‏ قُلْت نَعَمْ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً فَأَخْطَأَهَا إلَى غَيْرِهَا فَأَصَابَهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَتْ امْرَأَةَ الْأَوَّلِ وَاعْتَزَلَهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَتَزْعُمَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْرِمَةَ وَالْحَائِضَ وَلاَ يُصِيبُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَتَقُولُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْحُبْلَى مِنْ زِنًا وَلاَ يُصِيبُهَا فَقُلْت لَهُ وَمَا الْمَاءُ مِنْ النِّكَاحِ‏؟‏ أَرَأَيْت لَوْ أَصَابَهُنَّ وَفِيهِنَّ مَاؤُهُ ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِإِصَابَتِهِنَّ أَمَا ذَلِكَ مِمَّا يَحِلُّ لَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى قُلْت كَمَا يُبَاحُ لَهُ لَوْ لَمْ يُصِبْهُنَّ قَبْلَ ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ، فَقُلْت فَإِذَا طَلَّقَهُنَّ وَفِيهِنَّ مَاؤُهُ ثَلاَثًا أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُعِيدَ فِيهِنَّ مَاءً آخَرَ وَإِنَّمَا أَقَرَّ فِيهِنَّ مَاءَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَاعَةٍ قَالَ لاَ وَقَدْ انْتَقَلَ حُكْمُهُ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَالْمَاءُ هَهُنَا وَغَيْرُ الْمَاءِ سَوَاءٌ فِيمَا يَحِلُّ لَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَكَيْفَ لاَ يَكُونُ هَكَذَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَمَعَهُ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْت أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ إذَا أُصِيبَتْ لَيْلاً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ الزَّوْجَانِ جُنُبَيْنِ أَيُفْسِدُ صَوْمَهُمَا أَوْ صَوْمَ الْمَرْأَةِ كَيْنُونَةُ الْمَاءِ فِيهَا‏؟‏ قَالَ لاَ، قُلْت لَهُ فَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهَا ثُمَّ أَحْرَمَا جُنُبَيْنِ وَفِيهَا الْمَاءُ ثُمَّ حَجَّ بِهَا وَفِيهَا الْمَاءُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏.‏ قُلْت وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا نَهَارًا وَلاَ مُحْرِمًا حِينَ تَحَوَّلَتْ حَالُهُ وَلاَ يَصْنَعُ الْمَاءَ فِي أَنْ يَحِلَّهَا لَهُ وَلاَ يُفْسِدُ عَلَيْهِ حَجًّا وَلاَ صَوْمًا إذَا كَانَ مُبَاحًا ثُمَّ انْتَقَلَتْ حَالُهُمَا إلَى حَالَةٍ حَظَرَتْ إصَابَتَهَا فِيهِ شَيْئًا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت لَهُ‏:‏ فَالْمَاءُ كَانَ فِيهِنَّ وَهُنَّ أَزْوَاجٌ يَحِلُّ ذَلِكَ فِيهِنَّ ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ ثَلاَثًا فَانْتَقَلَ حُكْمُهُ وَحُكْمُهُنَّ إلَى أَنْ كَانَ غَيْرَ ذِي زَوْجَةٍ وَكُنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ غَيْرَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَلاَ يَحْلُلْنَ لَهُ إلَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّةٍ وَنِكَاحِ غَيْرِهِ وَطَلاَقِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَالْعِدَّةِ مِنْهُ وَالنِّسَاءُ سِوَاهُنَّ يَحْلُلْنَ لَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَحَرَّمْت عَلَيْهِ أَبْعَدَ النِّسَاءِ مِنْ أَنْ تَكُونَ زَوْجًا لَهُ إلَّا بِمَا يَحِلُّ لَهُ وَزَعَمْت أَنَّ الرَّجُلَ يَعْتَدُّ وَقَدْ خَالَفْت اللَّهَ بَيْنَ حُكْمِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَجَعَلَ إلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ وَأَنْ يُنْفِقَ وَزَعَمْت أَنْ لَيْسَ لَهُ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ وَلاَ عَلَيْهِ مَا فَرَضَتْ السُّنَّةُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَأَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ مَا جُعِلَ لَهُ وَعَلَيْهِ ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فَأَدْخَلْته مَعَهَا فِيمَا جُعِلَ عَلَيْهَا دُونَهُ فَخَالَفْت أَيْضًا حُكْمَ اللَّهِ فَأَلْزَمْتهَا الرَّجُلَ وَإِنَّمَا جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَدَّةُ وَالزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ أَوْ الْمَيِّتُ فَتَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ بِقَوْلِهِ أَوْ مَوْتِهِ ثُمَّ قُلْت فِي عِدَّتِهِ قَوْلاً مُتَنَاقِضًا قَالَ وَمَا قُلْت‏؟‏ قُلْت إذَا جَعَلْت عَلَيْهِ الْعِدَّةَ كَمَا جَعَلْتهَا عَلَيْهَا أَفَيُحِدُّ كَمَا تُحِدُّ وَيَجْتَنِبُ مِنْ الطِّيبِ كَمَا تَجْتَنِبُ مِنْ الصَّبْغِ وَالْحُلِيُّ مِثْلَهَا‏؟‏ قَالَ لاَ‏.‏ قُلْت وَيَعْتَدُّ مِنْ وَفَاتِهَا كَمَا تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاتِهِ فَلاَ يَنْكِحُ أُخْتَهَا وَلاَ أَرْبَعًا سِوَاهَا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرِ وَعَشْرُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ قَبْلَ دَفْنِهَا أُخْتَهَا إنْ شَاءَ وَأَرْبَعًا سِوَاهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت لَهُ هَذَا فِي قَوْلِك يَعْتَدُّ مَرَّةً وَيَسْقُطُ عَنْهُ فِي عِدَّتِهِ اجْتِنَابُ مَا تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّةُ وَلاَ يَعْتَدُّ أُخْرَى أَفَيُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ الْمُتَنَاقِضِ‏؟‏ وَمَا حُجَّتُك عَلَى جَاهِلٍ لَوْ قَالَ لاَ تَعْتَدُّ مِنْ طَلاَقٍ وَلَكِنْ تَجْتَنِبُ الطِّيبَ وَتَعْتَدُّ مِنْ الْوَفَاةِ هَلْ هُوَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَا عَلَيْهَا مِنْ الْعِدَّةِ فَيَكُونَ مِثْلَهَا فِي كُلِّ حَالٍ أَمْ لاَ يَكُونُ فَلاَ يَعْتَدُّ بِحَالٍ‏؟‏

مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ الْمَحْدُودَيْنِ

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي هَذِهِ الآيَةِ اخْتِلاَفًا مُتَبَايِنًا وَاَلَّذِي يُشْبِهُهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا‏:‏ ‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ‏}‏ فَهِيَ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَلَيْهِ دَلاَئِلُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ إنَّهَا حَكَمٌ بَيْنَهُمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَغَايَا مِنْ بَغَايَا الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ عَلَى مَنَازِلِهِمْ رَايَاتٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ غَيْرِ هَذَا عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ لاَ يَزْنِي الزَّانِي إلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ وَالزَّانِيَةُ لاَ يَزْنِي بِهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِهِ يَنْكِحُ أَيْ يُصِيبُ فَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ نَزَلَتْ فِي بَغَايَا مِنْ بَغَايَا الْجَاهِلِيَّةِ فَحُرِّمْنَ عَلَى النَّاسِ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ زَانِيًا أَوْ مُشْرِكًا فَإِنْ كُنَّ عَلَى الشِّرْكِ فَهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى زُنَاةِ الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِ زُنَاتِهِمْ وَإِنْ كُنَّ أَسْلَمْنَ فَهُنَّ بِالْإِسْلاَمِ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالِاخْتِلاَفُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَحْرِيمِ الْوَثَنِيَّاتِ عَفَائِفَ كُنَّ أَوْ زَوَانِيَ عَلَى مَنْ آمَنَ زَانِيًا كَانَ أَوْ عَفِيفًا وَلاَ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَةَ الزَّانِيَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُشْرِكِ بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ لاَ يَزْنِي الزَّانِي إلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ تَبْيِينُ شَيْءٍ إذَا زَنَى فَطَاوَعَتْهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ مُشْرِكًا أَوْ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ مُشْرِكَةً فَهُمَا زَانِيَانِ وَالزِّنَا مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ فِي هَذَا أَمْرٌ يُخَالِفُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ فَنَحْتَجُّ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ قَالَ هَذَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَى ثُبُوتِ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَاجْتِمَاعُهُمْ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ‏}‏ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا‏}‏ فَقَدْ قِيلَ إنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي مُشْرِكَاتِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْمُشْرِكَاتِ عَامَّةً ثُمَّ رَخَّصَ مِنْهُنَّ فِي حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيمَا عَلِمْنَا فِي أَنَّ الزَّانِيَةَ الْمُسْلِمَةَ لاَ تَحِلُّ لِمُشْرِكٍ وَثَنِيٍّ وَلاَ كِتَابِيٍّ، وَأَنَّ الْمُشْرِكَةَ الزَّانِيَةَ لاَ تَحِلُّ لِمُسْلِمٍ زَانٍ وَلاَ غَيْرِهِ فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ اللَّهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ هُوَ حُكْمٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ إنَّ الزَّانِيَةَ الْمُسْلِمَةَ يَنْكِحُهَا الزَّانِي أَوْ الْمُشْرِكُ وَقَدْ اعْتَرَفَ مَاعِزٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ «حَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكْرًا فِي الزِّنَا فَجَلَدَهُ وَجَلَدَ امْرَأَةً» فَلاَ نَعْلَمُهُ قَالَ لِلزَّوْجِ‏:‏ هَلْ لَك زَوْجَةٌ فَتَحْرُمُ عَلَيْك إذَا زَنَيْت وَلاَ يُزَوَّجْ هَذَا الزَّانِي وَلاَ الزَّانِيَةُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ زَانِيًا بَلْ يُرْوَى عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَجُلاً شَكَا مِنْ امْرَأَتِهِ فُجُورًا فَقَالَ طَلِّقْهَا فَقَالَ إنِّي أُحِبُّهَا فَقَالَ اسْتَمْتِعْ بِهَا» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً أَحْدَثَتْ وَتَذَكَّرَ حَدَثَهَا فَقَالَ عُمَرُ انْكِحْهَا نِكَاحَ الْعَفِيفَةِ الْمُسْلِمَةِ‏.‏

مَا جَاءَ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ نِكَاحِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ وَغَيْرِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَالْأُمَّهَاتُ أُمُّ الرَّجُلِ وَأُمَّهَاتُهَا وَأُمَّهَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْجَدَّاتُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْأُمَّهَاتِ، وَالْبَنَاتُ بَنَاتُ الرَّجُلِ لِصُلْبِهِ وَبَنَاتُ بَنِيهِ وَبَنَاتُهُ وَإِنْ سَفُلْنَ فَكُلُّهُنَّ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتُ مَنْ وَلَدَ أَبُوهُ لِصُلْبِهِ أَوْ أُمُّهُ بِعَيْنِهَا، وَعَمَّاتُهُ مِنْ وَلَدِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَمَنْ فَوْقَهُمَا مِنْ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ وَخَالاَتُهُ مَنْ وَلَدَتْهُ جَدَّتُهُ أُمُّ أُمِّهِ وَمَنْ فَوْقَهَا مِنْ جَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِهَا وَبَنَاتُ الْأَخِ كُلٌّ مِنْ وَلَدِ الْأَخِ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ أَوْ لَهُمَا وَمِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَأَوْلاَدِهِ بَنِي أَخِيهِ وَإِنْ سَفُلُوا وَهَكَذَا بَنَاتُ الْأُخْتِ وَحَرَّمَ اللَّهُ الْأُمَّ وَالْأُخْتَ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَتَحْرِيمُهُمَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إذَا ذَكَرَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الرَّضَاعِ تَحْرِيمَ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ الرَّضَاعَةَ أَضْعَفُ سَبَبًا مِنْ النَّسَبِ فَإِذَا كَانَ النَّسَبُ الَّذِي هُوَ أَقْوَى سَبَبًا قَدْ يَحْرُمُ بِهِ ذَوَاتُ نَسَبٍ ذُكِرْنَ وَيُحِلُّ ذَوَاتُ نَسَبِ غَيْرِهِنَّ إنْ سَكَتَ عَنْهُنَّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ هَكَذَا وَلاَ يَحْرُمُ بِهِ إلَّا الْأُمُّ وَالْأُخْتُ وَقَدْ تَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّ امْرَأَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِامْرَأَتِهِ وَلاَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا‏.‏

وَالْمَعْنَى الثَّانِي إذَا حَرَّمَ اللَّهُ الْأُمَّ وَالْأُخْتَ مِنْ الرَّضَاعَةِ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْوَالِدَةَ وَالْأُخْتَ الَّتِي وَلَدُهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ هُمَا وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا بِقَرَابَةِ غَيْرِهِمَا وَلاَ بِحُرْمَةِ غَيْرِهِمَا كَمَا حَرَّمَ ابْنَةَ امْرَأَتِهِ بِحُرْمَةِ امْرَأَتِهِ وَامْرَأَةَ الِابْنِ بِحُرْمَةِ الِابْنِ وَامْرَأَةَ الْأَبِ بِحُرْمَةِ الْأَبِ فَاجْتَمَعَتْ الْأُمُّ مِنْ الرَّضَاعَةِ إذْ حُرِّمَتْ بِحُرْمَةِ نَفْسِهَا وَالْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعَةِ إذْ حُرِّمَتْ نَصًّا وَكَانَتْ ابْنَةَ الْأُمِّ أَنْ تَكُونَ مِنْ سِوَاهَا مِنْ قَرَابَتِهَا تَحْرُمُ كَمَا تَحْرُمُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ الْوَالِدَةِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ أَوْ الْأُمِّ أَوْ لَهُمَا فَلَمَّا احْتَمَلَتْ الْآيَةُ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَطْلُبَ الدَّلاَلَةَ عَلَى أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَنَقُولَ بِهِ فَوَجَدْنَا الدَّلاَلَةَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى أَوْلاَهُمَا فَقُلْنَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا حَرُمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حَرُمَ مِنْ الْوِلاَدَةِ حَرُمَ لَبَنُ الْفَحْلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَمَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلاَ أَرَى لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ‏}‏ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِنَّ كَمَا شَرَطَ فِي الرَّبَائِبِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ الْمُفْتِينَ وَكَذَلِكَ جَدَّاتُهَا وَإِنْ بَعُدْنَ لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ امْرَأَتِهِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا فَأَبَانَهَا فَكُلُّ بِنْتٍ لَهَا وَإِنْ سَفُلَتْ حَلاَلٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ‏}‏ فَإِنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الِابْنَةُ وَلاَ وَلَدُهَا وَإِنْ تَسَفَّلَ كُلُّ مَنْ وَلَدَتْهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ‏}‏ فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَهَا رَجُلٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ أَنْ يَنْكِحَهَا أَبَدًا، وَمِثْلُ الْأَبِ فِي ذَلِكَ آبَاؤُهُ كُلُّهُمْ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ نَكَحَ وَلَدُ وَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَإِنْ سَفَلُوا لِأَنَّهُمْ بَنُوهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ ابْنِهِ الَّذِي أَرْضَعَ تَحْرُمُ هَذِهِ بِالْكِتَابِ وَهَذِهِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ» وَلَيْسَ هُوَ خِلاَفًا لِلْكِتَابِ لِأَنَّهُ إذَا حَرَّمَ حَلاَئِلَ الْأَبْنَاءِ مِنْ الْأَصْلاَبِ فَلَمْ يَقُلْ غَيْرَ أَبْنَائِهِمْ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَقُومُ مَقَامَ النَّسَبِ فَأَيُّ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا رَجُلٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ وَلاَ لِوَلَدِ وَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَإِنْ سَفَلُوا أَنْ يَنْكِحَهَا أَبَدًا لِأَنَّهَا امْرَأَةُ أَبٍ لِأَنَّ الْأَجْدَادَ آبَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَفِي أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِيهِمَا وَلاَ فِي أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَكَذَلِكَ أَبُو الْمُرْضَعِ لَهُ‏.‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ مِنْ النِّسَاءِ

فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ أُخْتَيْنِ أَبَدًا بِنِكَاحٍ وَلاَ وَطْءِ مِلْكٍ وَكُلُّ مَا حَرُمَ مِنْ الْحَرَائِرِ بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ حَرُمَ مِنْ الْإِمَاءِ مِثْلُهُ إلَّا الْعَدَدَ وَالْعَدَدُ لَيْسَ مِنْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ بِسَبِيلٍ فَإِذَا نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا فَنِكَاحُ الْآخِرَةِ بَاطِلٌ وَنِكَاحُ الْأُولَى ثَابِتٌ وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخِرَةِ وَإِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْءُ الْأُخْتِ إلَّا بِأَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ الَّتِي كَانَ يَطَأُ بِأَنْ يَبِيعَهَا أَوْ يُزَوِّجَهَا أَوْ يُكَاتِبَهَا أَوْ يُعْتِقَهَا‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ يَجْمَعُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلاَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَيَّتُهُمَا نَكَحَ أَوَّلاً ثُمَّ نَكَحَ عَلَيْهَا أُخْرَى فَسَدَ نِكَاحُ الْآخِرَةِ وَلَوْ نَكَحَهُمَا فِي عُقْدَةٍ كَانَتْ الْعُقْدَةُ مَفْسُوخَةً وَيَنْكِحُ أَيَّتَهمَا شَاءَ بَعْدُ وَلَيْسَ فِي أَنْ لاَ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا خِلاَفُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ مَنْ تَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ النِّسَاءِ وَمَنْ يَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا فُعِلَ فِي غَيْرِهِ شَيْءٌ مِثْلُ الرَّبِيبَةِ إذَا دَخَلَ بِأُمِّهَا حُرِّمَتْ بِكُلِّ حَالٍ وَكَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي نَهْيِهِ عَنْهُ إبَاحَةُ مَا سِوَى جَمْعًا بَيْنَ غَيْرِ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَذْكُرُ الشَّيْءَ فِي الْكِتَابِ فَيُحَرِّمُهُ وَيُحَرِّمُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ غَيْرَهُ كَمَا ذَكَرَ الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ فَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصِيبَهَا وَإِلَّا لَمْ تَحِلَّ لَهُ مَعَ كَثِيرٍ بَيَّنَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ‏}‏ إبَاحَةَ غَيْرِهِ مِمَّا حَرَّمَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ‏}‏ «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» فَبَيَّنَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ انْتِهَاءَ اللَّهِ إلَى أَرْبَعٍ حَظَرَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ فَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ خَامِسَةً عَلَى أَرْبَعٍ كَانَ نِكَاحُهَا مَفْسُوخًا وَيَحْرُمُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْجَمْعِ كَمَا حَرُمَ نِسَاءٌ، مِنْهُنَّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا وَمِنْهُنَّ الْمُلاَعَنَةُ وَيَحْرُمُ إصَابَةُ الْمَرْأَةِ بِالْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ فَكُلُّ هَذَا مُتَفَرِّقٌ فِي مَوَاضِعِهِ‏.‏

وَمَا حَرُمَ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ أُمِّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا أَوْ امْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهِ بِالنِّكَاحِ فَأُصِيبَتْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ بِالزِّنَا لَمْ تَحْرُمْ لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ مُخَالِفٌ حُكْمَ الزِّنَا‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ وَالْمُحْصَنَاتُ اسْمٌ جَامِعٌ فَجِمَاعُهُ أَنَّ الْإِحْصَانَ الْمَنْعُ وَالْمَنْعُ يَكُونُ بِأَسْباب مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا الْمَنْعُ بِالْحَبْسِ وَالْمَنْعُ يَقَعُ عَلَى الْحَرَائِرِ بِالْحُرِّيَّةِ وَيَقَعُ عَلَى الْمُسْلِمَاتِ بِالْإِسْلاَمِ وَيَقَعُ عَلَى الْعَفَائِفِ بِالْعَفَافِ وَيَقَعُ عَلَى ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ بِمَنْعِ الْأَزْوَاجِ فَاسْتَدْلَلْنَا بِأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَا عَلِمْت بِأَنَّ تَرْكَ تَحْصِينِ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ بِالْحَبْسِ لاَ يُحَرِّمُ إصَابَةَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِنِكَاحٍ وَلاَ مِلْكٍ وَلِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعَفَائِفَ وَغَيْرَ الْعَفَائِفِ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُنَّ بِالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ بِالْمِلْكِ سَوَاءٌ عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ لَيْسَتَا بِالْمَقْصُودِ قَصْدُهُمَا بِالآيَةِ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْإِحْصَانِ هَهُنَا الْحَرَائِرَ أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِالآيَةِ قَصَدَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ثُمَّ دَلَّ الْكِتَابُ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ حَتَّى يُفَارِقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةِ طَلاَقٍ أَوْ فَسْخِ نِكَاحٍ إلَّا السَّبَايَا فَإِنَّهُنَّ مُفَارِقَاتٌ لَهُنَّ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمَمَالِيكَ غَيْرُ السَّبَايَا لِمَا وَصَفْنَا مِنْ هَذَا وَمِنْ أَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ أَنَّ الْمَمْلُوكَةَ غَيْرَ السَّبِيَّةِ إذَا بِيعَتْ أَوْ أُعْتِقَتْ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ بَرِيرَةَ حِينَ أُعْتِقَتْ فِي الْمُقَامِ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ فِرَاقِهِ» وَلَوْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ الَّذِي فِيهِ الْعُقْدَةِ يُزِيلُ عُقْدَةَ النِّكَاحِ كَانَ الْمِلْكُ إذَا زَالَ بِعِتْقٍ أَوْلَى أَنْ يَزُولَ الْعَقْدُ مِنْهُ إذَا زَالَ بِبَيْعٍ وَلَوْ زَالَ بِالْعِتْقِ لَمْ يُخَيِّرْ بَرِيرَةَ وَقَدْ زَالَ مِلْكُ بَرِيرَةَ بِأَنْ بِيعَتْ فَأُعْتِقَتْ فَكَانَ زَوَالُهُ بِمَعْنَيَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فُرْقَةً لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فُرْقَةً لَمْ يَقُلْ لَك الْخِيَارُ فِيمَا لاَ عَقْدَ لَهُ عَلَيْك أَنْ تُقِيمِي مَعَهُ أَوْ تُفَارِقِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ فَإِذَا لَمْ يَحِلَّ فَرْجُ ذَاتِ الزَّوْجِ بِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ فَهِيَ إذَا لَمْ تُبَعْ لَمْ تَحِلَّ بِمِلْكِ يَمِينٍ حَتَّى يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا وَتُخَالِفُ السَّبِيَّةُ فِي مَعْنًى آخَرَ وَذَلِكَ أَنَّهَا إنْ بِيعَتْ أَوْ وُهِبَتْ فَلَمْ يُغَيَّرْ حَالُهَا مِنْ الرِّقِّ وَإِنْ عَتَقَتْ تَغَيَّرَ بِأَحْسَنَ مِنْ حَالِهَا الْأَوَّلِ وَالسَّبِيَّةُ تَكُونُ حُرَّةَ الْأَصْلِ فَإِذَا سُبِيَتْ سَقَطَتْ الْحُرِّيَّةُ وَاسْتُوْهِبَتْ فَوُطِئَتْ بِالْمِلْكِ فَلَيْسَ انْتِقَالُهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ بِسَبَائِهَا بِأَوْلَى مِنْ فَسْخِ نِكَاحِ زَوْجِهَا عَنْهَا وَمَا صَارَتْ بِهِ فِي الرِّقِّ بُعْدٌ أَكْثَرُ مِنْ فُرْقَةِ زَوْجِهَا‏.‏

الْخِلاَفُ فِي السَّبَايَا

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ذَكَرْت لِبَعْضِ النَّاسِ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ فَقَالَ هَذَا كَمَا قُلْت وَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ بِهِ وَلاَ يُفَسِّرُهُ هَذَا التَّفْسِيرَ الْوَاضِحَ غَيْرَ أَنَّا نُخَالِفُك مِنْهُ فِي شَيْءٍ قُلْت وَمَا هُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ يَسْبِيهَا الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ زَوْجِهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ، وَتُصَابُ ذَاتُ زَوْجٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ قَالَ‏:‏ وَلَكِنْ إنْ سُبِيَتْ وَزَوْجُهَا مَعَهَا، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقُلْت لَهُ «سَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَنِسَاءَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ، وَأَوْطَاسَ»، وَغَيْرِهِ فَكَانَتْ سُنَّتُهُ فِيهِمْ، أَنْ لاَ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلاَ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ، وَأَمَرَ أَنْ يَسْتَبْرِئَانِ بِحَيْضَةٍ حَيْضَةٍ، وَقَدْ أَسَرَ رِجَالاً مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ فَمَا عَلِمْنَاهُ سَأَلَ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلاَ غَيْرِهَا، فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ السَّبَاءَ قَطْعٌ لِلْعِصْمَةِ، وَالْمَسْبِيَّةُ إنْ لَمْ يَكُنْ السِّبَاءُ يَقْطَعُ عِصْمَتَهَا مِنْ زَوْجِهَا إذَا سُبِيَ مَعَهَا لَمْ يَقْطَعْ عِصْمَتَهَا لَوْ لَمْ يُسْبَ مَعَهَا وَلاَ يَجُوزُ لِعَالِمٍ وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْكُلَ عَلَيْهِ بِدَلاَلَةِ السُّنَّةِ إذْ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلاَ غَيْرِهَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِنَّ ذَوَاتَ أَزْوَاجٍ بِالْحَمْلِ وَأَذِنَ بِوَطْئِهِنَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ وَقَدْ أَسَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ مَعَهُنَّ أَنَّ السِّبَاءَ قَطْعٌ لِلْعِصْمَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَقَالَ إنِّي لَمْ أَقُلْ هَذَا بِخَبَرٍ وَلَكِنِّي قُلْته قِيَاسًا فَقُلْت فَعَلَى مَاذَا قِسْته‏؟‏ قَالَ قِسْته عَلَى الْمَرْأَةِ تَأْتِي مُسْلِمَةً مَعَ زَوْجِهَا فَيَكُونَانِ عَلَى النِّكَاحِ وَلَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ وَخَرَجَتْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فَقُلْت لَهُ وَاَلَّذِي قِسْت عَلَيْهِ أَيْضًا خِلاَفُ السُّنَّةِ فَتُخْطِئُ خِلاَفَهَا وَتُخْطِئُ الْقِيَاسَ قَالَ وَأَيْنَ أَخْطَأْت الْقِيَاسَ‏؟‏ قُلْت أَجَعَلْت إسْلاَمَ الْمَرْأَةِ مِثْلَ سَبْيِهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَجِدُهَا إذَا أَسْلَمَتْ ثَبَتَتْ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَازْدَادَتْ خَيْرًا بِالْإِسْلاَمِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَجِدُهَا إذَا سُبِيَتْ رَقَّتْ وَقَدْ كَانَتْ حُرَّةً‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَجِدُ حَالَهَا وَاحِدَةً‏؟‏ قَالَ أَمَّا فِي الرِّقِّ فَلاَ وَلَكِنْ فِي الْفَرْجِ فَقُلْت لاَ فَلاَ يَسْتَوِيَانِ فِي قَوْلِك فِي الْفَرْجِ قَالَ وَأَيْنَ يَخْتَلِفَانِ‏؟‏ قُلْت أَرَأَيْت إذَا سُبِيَتْ الْحُرَّةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُؤْمِنَتْ وَهَرَبَ زَوْجُهَا وَحَاضَتْ حَيْضَةً وَاحِدَةً أَتُوطَأُ‏؟‏ قَالَ أَكْرَهُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ بَأْسَ قُلْت وَهِيَ لاَ تُوطَأُ إلَّا وَالْعِصْمَةُ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ، قُلْت وَحَيْضَةُ اسْتِبْرَاءٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ قَالَ وَتُرِيدُ مَاذَا‏؟‏ قُلْت أُرِيدُ إنْ قُلْت تَعْتَدُّ مِنْ زَوْجٍ اعْتَدَّتْ عِنْدَك حَيْضَتَيْنِ إنْ أَلْزَمْتهَا الْعِدَّةَ بِأَنَّهَا أَمَةٌ وَإِنْ أَلْزَمْتهَا بِالْحُرِّيَّةِ فَحَيْضٌ قَالَ لَيْسَتْ بِعِدَّةٍ، قُلْت أَفَتَبَيَّنَ لَك أَنَّ حَالَهَا فِي النِّسَاءِ إذَا صَارَتْ سَبْيًا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فِيمَا يَحِلُّ بِهِ مِنْ فَرْجِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ‏؟‏ قَالَ إنَّهَا الْآنَ تُشْبِهُ مَا قُلْت، قُلْت لَهُ فَالْحُرَّةُ تُسْلِمُ قَبْلَ زَوْجِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ‏؟‏ قَالَ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ حَتَّى تَحِيضَ ثَلاَثَ حِيَضٍ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ ثَلاَثَ حِيَضٍ كَانَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، قُلْت فَلِمَ خَالَفْت بَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا وَجَدْت مِنْ ذَلِكَ بُدًّا‏.‏ قُلْت لَهُ‏:‏ فَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ فِي الْحَرَائِرِ يُسْلِمْنَ وَأُخْرَى فِي الْحَرَائِرِ يُسْبَيْنَ فَيَسْتَرْقِين وَالْأُخْرَى فِي الْإِمَاءِ لاَ يَسْبِينِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تَصْرِفَ سُنَّةً إلَى سُنَّةٍ وَهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ سُنَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ بِاخْتِلاَفِ حَالاَتِ النِّسَاءِ فِيهِمَا‏؟‏ وَقُلْت لَهُ فَالْحُرَّةُ تُسْلِمُ قَبْلَ زَوْجِهَا أَوْ زَوْجُهَا قَبْلَهَا أَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْآخَرِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَالنِّكَاحُ الْأَوَّلُ ثَابِتٌ فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ إسْلاَمِ الْآخَرِ مِنْهُمَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ إسْلاَمُ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الرَّجُلِ أَوْ الرَّجُلِ قَبْلَ الْمَرْأَةِ إذَا افْتَرَقَتْ دَارُهُمَا أَوْ لَمْ تَفْتَرِقْ وَلاَ تَصْنَعُ الدَّارُ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِالْإِسْلاَمِ شَيْئًا سَوَاءٌ خَرَجَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ أَوْ صَارَتْ دَارُهُ دَارَ الْإِسْلاَمِ أَوْ كَانَ مُقِيمًا بِدَارِ الْكُفْرِ لاَ تُغَيِّرُ الدَّارُ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا شَيْئًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَهِيَ دَارُ خُزَاعَةُ وَخُزَاعَةُ مُسْلِمُونَ قَبْلَ الْفَتْحِ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ فَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ وَهِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ مُقِيمَةٌ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلاَمِ فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ اُقْتُلُوا الشَّيْخَ الضَّالَّ ثُمَّ أَسْلَمَتْ هِنْدُ بَعْدَ إسْلاَمِ أَبِي سُفْيَانَ بِأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ وَقَدْ كَانَتْ كَافِرَةً مُقِيمَةً بِدَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِ الْإِسْلاَمِ يَوْمئِذٍ وَزَوْجُهَا مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ وَهِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ صَارَتْ مَكَّةُ دَارَ الْإِسْلاَمِ وَأَبُو سُفْيَانَ بِهَا مُسْلِمٌ وَهِنْدٌ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَاسْتَقَرَّا عَلَى النِّكَاحِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى أَسْلَمَتْ وَكَانَ كَذَلِكَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَإِسْلاَمُهُ، وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ بِمَكَّةَ فَصَارَتْ دَارُهُمَا دَارَ الْإِسْلاَمِ وَظَهَرَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَهَرَبَ عِكْرِمَةُ إلَى الْيَمَنِ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ وَصَفْوَانُ يُرِيدُ الْيَمَنَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ ثُمَّ رَجَعَ صَفْوَانُ إلَى مَكَّةَ وَهِيَ دَارُ إسْلاَمِ وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَرَجَعَ عِكْرِمَةُ وَأَسْلَمَ فَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهُمَا لَمْ تَنْقَضِ فَقُلْت لَهُ مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَمْرِ أَبِي سُفْيَانَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَأَزْوَاجِهِمَا، وَأَمْرُ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وَأَزْوَاجِهِمَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فَهَلْ تَرَى مَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ أَنَّ الدَّارَ لاَ تُغَيِّرُ مِنْ الْحُكْمِ شَيْئًا إذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى خِلاَفِ مَا قُلْت وَقَدْ حَفِظَ أَهْلُ الْمَغَازِي أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ بِمَكَّةَ فَأَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَأَسْلَمَ فَاسْتَقَرَّا عَلَى النِّكَاحِ وَنَحْنُ وَأَنْتَ نَقُولُ إذَا كَانَا فِي دَارِ حَرْبٍ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْآخَرِ لَمْ يَحِلَّ الْجِمَاعُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ‏.‏

وَإِنَّمَا يُمْنَعُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فِي الْوَطْءِ بِالدِّينِ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ حَرْبٍ حَلَّ الْوَطْءُ فَقَالَ إنَّ مِنْ أَصْحَابِك مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَأَنَا أَقُومُ بِحُجَّتِهِ فَقُلْت لَهُ الْقِيَامُ بِقَوْلٍ تَدِينُ بِهِ أَلْزَمُ لَك فَإِنْ كُنْت عَجَزْت عَنْهُ فَلَعَلَّك لاَ تَقْوَى عَلَى غَيْرِهِ قَالَ فَأَنَا أَقُومُ بِهِ فَأَحْتَجُّ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ أَيَعْدُو قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ أَنْ يَكُونَ إذَا أَسْلَمَ وَزَوْجَتُهُ كَافِرَةٌ كَانَ الْإِسْلاَمُ قَطْعًا لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا حِينَ يُسْلِمُ لِأَنَّ النَّاسَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ إذَا كَانَتْ وَثَنِيَّةً أَوْ يَكُونُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ إذَا جَاءَتْ عَلَيْهِنَّ مُدَّةٌ لَمْ يُسْلِمْنَ فِيهَا أَوْ قَبْلَهَا‏؟‏ قَالَ مَا يَعْدُو هَذَا قُلْت فَالْمُدَّةُ هَلْ يَجُوزُ بِأَنْ تَكُونَ هَكَذَا أَبَدًا إلَّا بِخَبَرٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً لَوْ قَالَ مُدَّتُهَا سَاعَةٌ وَقَالَ الْآخَرُ يَوْمٌ وَقَالَ آخَرُ سَنَةٌ وَقَالَ آخَرُ مِائَةُ سَنَةٍ لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا دَلاَلَةٌ عَلَى الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِخَبَرٍ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَالرَّجُلُ يُسْلِمُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ فَقُلْت بِأَيِّهِمَا شِئْت وَلَيْسَ قَوْلُك مَنْ حَكَيْت قَوْلَهُ دَاخِلاً فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ فَهُمْ يَقُولُونَ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَهَا وَتَقَارَبَ مَا بَيْنَ إسْلاَمِهِمَا قُلْت أَلَيْسَ قَدْ أَسْلَمَ وَصَارَ مِنْ سَاعَتِهِ لاَ يَحِلُّ لَهُ إصَابَتُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَقَرَّتْ مَعَهُ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِمْ‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت فَلِمَ تَقْطَعُ بِالْإِسْلاَمِ بَيْنَهُمَا وَقَطَعْتَهَا بِمُدَّةٍ بَعْدَ الْإِسْلاَمِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ وَلَكِنَّهُ يَقُولُ كَانَ بَيْنَ إسْلاَمِ أَبِي سُفْيَانَ وَهِنْدَ شَيْءٌ يَسِيرٌ قُلْت أَفَتَحُدُّهُ‏؟‏ قَالَ لاَ وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ قُلْت لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ انْقَطَعَتْ عِصْمَتُهَا مِنْهُ‏؟‏ قَالَ وَمَا عَلِمْته يَذْكُرُ ذَلِكَ قُلْت فَإِسْلاَمُ صَفْوَانَ بَعْدَ إسْلاَمِ امْرَأَتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَإِسْلاَمُ عِكْرِمَةَ بَعْدَ إسْلاَمِ امْرَأَتِهِ بِأَيَّامٍ فَإِنْ قُلْنَا إذَا مَضَى الْأَكْثَرُ وَهُوَ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّا لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا تَرَكَ أَكْثَرَ مِمَّا تَرَكَ صَفْوَانُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت هُمْ يَقُولُونَ إنَّ الزُّهْرِيَّ حَمَلَ حَدِيثَ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ هَذَا قُلْت فَقَالَ الزُّهْرِيُّ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَجَعَلَ الْعِدَّةَ غَايَةَ انْقِطَاعِ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَلِمَ لاَ يَكُونُ هَكَذَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ‏؟‏ وَالزُّهْرِيُّ لَمْ يَرْوِ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ أَمْرَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَمْرِ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ وَالْخَبَرُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَالْقُرْآنُ فِيهِمْ وَالْإِجْمَاعُ وَاحِدٌ‏؟‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ‏}‏ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قَبْلَ زَوْجِهَا وَلاَ الرَّجُلِ يُسْلِمُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ قُلْت فَحَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْكُفَّارِ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُبِحْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِحَالٍ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَحَرَّمَ عَلَى رِجَالِ الْمُؤْمِنِينَ نِكَاحَ الْكَوَافِرِ إلَّا حَرَائِرَ الْكِتَابِيِّينَ مِنْهُمْ فَزَعَمَ أَنَّ إحْلاَلَ الْكَوَافِرِ اللَّاتِي رَخَّصَ فِي بَعْضِهِنَّ لِلْمُسْلِمِينَ أَشَدُّ مِنْ إحْلاَلِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مُسْلِمَةٍ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ إلَّا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْعِدَّةِ وَلَوْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خَبَرٍ كَانَ الَّذِي شَدَّدُوا فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُرَخِّصُوا فِيهِ وَاَلَّذِي رَخَّصُوا فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُشَدِّدُوا فِيهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ‏.‏

الْخِلاَفُ فِيمَا يُؤْتَى بِالزِّنَا

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَقُلْنَا إذَا نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً حُرِّمَتْ عَلَى ابْنِهِ وَأَبِيهِ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا بِمَا حَكَيْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنْ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أُمِّ امْرَأَتِهِ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَلاَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَلاَ عَلَى أَبِيهِ، وَلاَ عَلَى ابْنِهِ امْرَأَتُهُ لَوْ زَنَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا حَرَّمَ بِحُرْمَةِ الْحَلاَلِ تَعْزِيرًا لِحَلاَلِهِ وَزِيَادَةً فِي نِعْمَتِهِ بِمَا أَبَاحَ مِنْهُ بِأَنْ أَثْبَت بِهِ الْحُرُمَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ قَبْلَهُ، وَأَوْجَبَ بِهَا الْحُقُوقَ، وَالْحَرَامُ خِلاَفُ الْحَلاَلِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا، وَابْنَتُهَا وَإِنْ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا امْرَأَتَاهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ قَبَّلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ فَهُوَ مِثْلُ الزِّنَا وَالزِّنَا يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُ الْحَلاَلَ فَقَالَ لِي لِمَ قُلْت إنَّ الْحَرَامَ لاَ يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُ الْحَلاَلَ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ اسْتِدْلاَلاً بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَالْمَعْقُولُ، وَالْأَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ دَارِ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ وَحَرَّمَ اللَّهُ قَالَ فَأَوْجَدَنِي مَا وَصَفْت قُلْت قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ‏}‏ أَفَلَسْت تَجِدُ التَّنْزِيلَ إنَّمَا حَرَّمَ مَنْ سَمَّى بِالنِّكَاحِ أَوْ النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ‏؟‏ قَالَ بَلَى، قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِاسْمِهِ حَرَّمَ بِالْحَلاَلِ شَيْئًا فَأُحَرِّمُهُ بِالْحَرَامِ، وَالْحَرَامُ ضِدُّ الْحَلاَلِ‏؟‏ فَقَالَ لِي فَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا‏؟‏ قُلْت فَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا قَالَ فَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت وَجَدْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَدَبَ إلَى النِّكَاحِ وَأَمَرَ بِهِ وَجَعَلَهُ سَبَبَ النَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَالْأُلْفَةِ وَالسَّكَنِ وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُرُمَ وَالْحَقَّ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ بِالْمَوَارِيثِ وَالنَّفَقَةِ، وَالْمَهْرِ وَحَقِّ الزَّوْجِ بِالطَّاعَةِ وَإِبَاحَةِ مَا كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَ النِّكَاحِ‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قُلْت‏:‏ وَوَجَدْت اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزِّنَا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً‏}‏ فَقَالَ أَجِدُ جِمَاعًا وَجِمَاعًا فَأَقِيسُ أَحَدَ الْجِمَاعَيْنِ بِالْآخَرِ‏:‏ قُلْت فَقَدْ وَجَدْت جِمَاعًا حَلاَلاً حَمِدْت بِهِ وَوَجَدْت جِمَاعًا حَرَامًا رَجَمْت بِهِ صَاحِبَهُ أَفَرَأَيْتُك قِسْته بِهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ وَمَا يُشْبِهُهُ‏؟‏ فَهَلْ تُوَضِّحُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا‏؟‏ قُلْت‏:‏ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا كِفَايَةٌ وَسَأَذْكُرُ لَك بَعْضَ مَا يَحْضُرُنِي مِنْهُ قَالَ مَا ذَاكَ‏؟‏ قُلْت جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمَهُ الصِّهْرَ نِعْمَةً فَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا‏}‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَجَعَلَك مُحَرَّمًا لِأُمِّ امْرَأَتِك وَابْنَتِهَا، وَابْنَتُهَا تُسَافِرُ بِهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَجَعَلَ الزِّنَا نِقْمَةً فِي الدُّنْيَا بِالْحَدِّ‏.‏ وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ إنْ لَمْ يَعْفُ، قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت أَفَتَجْعَلُ الْحَلاَلَ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ قِيَاسًا عَلَى الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ نِقْمَةٌ، أَوْ الْحَرَامَ قِيَاسًا عَلَيْهِ ثُمَّ تُخْطِئُ الْقِيَاسَ وَتَجْعَلُ الزِّنَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُحَرِّمًا لِأُمِّهَا وَابْنَتِهَا‏؟‏ قَالَ هَذَا أَبْيَنُ مَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْهُ، قُلْت‏:‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّالِثَةِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِأَنْ يُصِيبَهَا الزَّوْجُ الَّذِي نَكَحَ فَكَانَتْ حَلاَلَهُ لَهُ قَبْلَ الثَّلاَثِ وَمُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلاَثِ حَتَّى تَنْكِحَ ثُمَّ وَجَدْنَاهَا تَنْكِحُ زَوْجًا وَلاَ تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُصِيبَهَا الزَّوْجُ وَوَجَدْنَا الْمَعْنَى الَّذِي يُحِلُّهَا الْإِصَابَةَ أَفَرَأَيْت إنْ احْتَجَّ بِهَذَا عَلَيْك رَجُلٌ يَغْبَى غَبَاءَك عَنْ مَعْنَى الْكِتَابِ فَقَالَ الَّذِي يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ هُوَ الْجِمَاعُ لِأَنِّي قَدْ وَجَدْتهَا مُزَوَّجَةً فَيُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ أَوْ يَمُوتُ عَنْهَا فَلاَ تَحِلُّ لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا إذَا لَمْ يُصِبْهَا الزَّوْجُ الْآخَرُ وَتَحِلُّ إنْ جَامَعَهَا فَإِنَّمَا مَعْنَى الزَّوْجِ فِي هَذَا الْجِمَاعُ وَجِمَاعٌ بِجِمَاعٍ، وَأَنْتَ تَقُولُ جِمَاعُ الزِّنَا يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُ جِمَاعَ الْحَلاَلِ فَإِنْ جَاءَ مَعَهَا رَجُلٌ بِزِنًا حَلَّتْ لَهُ قَالَ إذًا يُخْطِئُ، قُلْت وَلِمَ‏؟‏ أَلَيْسَ لِأَنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا بِزَوْجٍ وَالسُّنَّةُ دَلَّتْ عَلَى إصَابَةِ الزَّوْجِ فَلاَ تَحِلُّ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْأَمْرَانِ فَتَكُونُ الْإِصَابَةُ مِنْ زَوْجٍ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت‏:‏ فَإِنْ كَانَ اللَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ بِنْتَ الْمَرْأَةِ وَأُمَّهَا وَامْرَأَةَ الْأَبِ بِالنِّكَاحِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تُحَرِّمَهَا بِالزِّنَا‏؟‏ وَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا‏}‏ فَمَلَكَ الرِّجَالُ الطَّلاَقَ وَجَعَلَ عَلَى النِّسَاءِ الْعَدَدَ، قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمَرْأَةَ إذَا أَرَادَتْ تُطَلِّقَ زَوْجَهَا أَلَهَا ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَقَدْ جَعَلْت لَهَا ذَلِكَ قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت زَعَمْت أَنَّهَا إذَا كَرِهَتْ زَوْجَهَا قَبَّلَتْ ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ فَحُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا بِتَقْبِيلِهَا ابْنَهُ فَجَعَلْت إلَيْهَا مَا لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ إلَيْهَا فَخَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ هَهُنَا وَفِي الْآيِ قَبْلَهُ، فَقَالَ قَدْ تَزْعُمُ أَنْتَ أَنَّهَا إنْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلاَمِ حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا‏؟‏ قُلْت وَإِنْ رَجَعَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ أَفَتَزْعُمُ أَنْتَ هَذَا فِي الَّتِي تُقَبِّلُ ابْنَ زَوْجِهَا‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَإِنْ مَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلاَمِ كَانَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدُ‏؟‏ أَفَتَزْعُمُ فِي الَّتِي تُقَبِّلُ ابْنَ زَوْجِهَا أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدُ بِحَالٍ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَأَنَا أَقُولُ إذَا ثَبَتَتْ عَلَى الرِّدَّةِ حَرَّمْتهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِثْلَهَا عَلَيْهِمْ أَفَتُحَرِّمُ الَّتِي تُقَبِّلُ ابْنَ زَوْجِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَأَنَا أَقْتُلُ الْمُرْتَدَّةَ وَأَجْعَلُ مَالَهَا فَيْئًا أَفَتَقْتُل أَنْتَ الَّتِي تُقَبِّلُ ابْنَ زَوْجِهَا وَتَجْعَلُ مَالَهَا فَيْئًا‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَبِأَيِّ شَيْءٍ شَبَّهْتهَا بِهَا‏؟‏ قَالَ إنَّهَا لَمُفَارِقَةٌ لَهَا قُلْت نَعَمْ فِي كُلِّ أَمْرِهَا‏؟‏ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا أَتَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَإِنْ زَنَى بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا أَتَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَأَسْمَعُك قَدْ حَرَّمْت بِالطَّلاَقِ إذَا طَلُقَتْ زَوْجَةُ حَلاَلٍ مَا لَمْ تُحَرِّمْ بِالزِّنَا لَوْ طَلَّقَ مَعَ الزِّنَا‏.‏ قَالَ لاَ يَشْتَبِهَانِ قُلْت أَجَلْ وَتَشْبِيهُك إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى الَّذِي أَنْكَرْنَا عَلَيْك قَالَ أَفَيَكُونُ شَيْءٌ يُحَرِّمُهُ الْحَلاَلُ لاَ يُحَرِّمُهُ الْحَرَامُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ قَالَ وَمَا هُوَ‏؟‏ قُلْت مَا وَصَفْنَاهُ وَغَيْرُهُ أَرَأَيْت الرَّجُلَ إذَا نَكَحَ امْرَأَةً أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا أَوْ عَمَّتَهَا عَلَيْهَا‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَإِذَا نَكَحَ أَرْبَعًا أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهِنَّ خَامِسَةً‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا أَوْ عَمَّتَهَا مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ زَنَى بِأَرْبَعٍ فِي سَاعَةٍ أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ لَيْسَ يَمْنَعُهُ الْحَرَامُ مِمَّا يَمْنَعُهُ الْحَلاَلُ‏.‏ وَقُلْت لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا‏}‏ ثُمَّ حَدُّ الزَّانِي الثَّيِّبِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي فِعْلِهِ أَعْظَمُ حَدًّا حَدُّهُ الرَّجْمُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ بِغَيْرِ رَجْمٍ أَخَفُّ مِنْهُ وَهَتَكَ بِالزِّنَا حُرْمَةَ الدَّمِ فَجَعَلَ حَقًّا أَنْ يُقْتَلَ بَعْدَ تَحْرِيمِ دَمِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي أَثْبَتَهَا بِإِحْلاَلٍ فَلَمْ يُثْبِتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ بِالزِّنَا نَسَبًا وَلاَ مِيرَاثًا وَلاَ حَرَمًا أَثْبَتَهَا بِالنِّكَاحِ وَقَالُوا فِي الرَّجُلِ إذَا نَكَحَ الْمَرْأَةَ فَدَخَلَ بِهَا كَانَ مَحْرَمًا لِابْنَتِهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيَخْلُو بِهَا وَيُسَافِرُ وَكَذَلِكَ أُمُّهَا وَأُمَّهَاتُهَا وَكَذَلِكَ يَكُونُ بَنُوهُ مِنْ غَيْرِهَا مَحْرَمًا لَهَا يُسَافِرُونَ بِهَا وَيَخْلُونَ وَلَيْسَ يَكُونُ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مَحْرَمًا لِأُمِّهَا وَلاَ ابْنَتِهَا وَلاَ بَنُوهُ مَحْرَمًا لَهَا بَلْ حَمِدُوا بِالنِّكَاحِ وَحَكَمُوا بِهِ وَذَمُّوا عَلَى الزِّنَا وَحَكَمُوا بِخِلاَفِ حُكْمِ الْحَلاَلِ وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ أُمَّ الْمَرْأَةِ وَامْرَأَةَ الْأَبِ وَالِابْنِ بِحُرْمَةٍ أَثْبَتَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَأَمَّا مَعْصِيَةُ اللَّهِ بِالزِّنَا فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَا حُرْمَةٌ بَلْ هُتِكَتْ بِهَا حُرْمَةُ الزَّانِيَةِ وَالزَّانِي فَقَالَ مَا يَدْفَعُ مَا وَصَفْت‏؟‏ فَقُلْت فَكَيْفَ أَمَرْتنِي أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَ الزِّنَا وَالْحَلاَلِ وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ رَسُولُهُ ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ بَيْنَ أَحْكَامِهِمَا‏؟‏ قَالَ فَهَلْ فِيهِ حُجَّةٌ مَعَ هَذَا‏؟‏ قُلْت بَعْضُ هَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَك يَقُومُ بِالْحُجَّةِ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ حُجَجٌ سِوَى هَذَا قَالَ وَمَا هِيَ قُلْت‏:‏ أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ يَنْكِحُهَا وَلاَ يَرَاهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يُطَلِّقُهَا أَتَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَأُمَّهَاتُهَا وَإِنْ بَعُدْنَ وَالنِّكَاحُ كَلاَمٌ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَيَكُونُ بِالْعُقْدَةِ مَحْرَمًا لِأُمِّهَا يُسَافِرُ وَيَخْلُو بِهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمَرْأَةَ يُوَاعِدُهَا الرَّجُلُ بِالزِّنَا تَأْخُذُ عَلَيْهِ الْجُعْلَ وَلاَ يَنَالُ مِنْهَا شَيْئًا أَتَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا بِالْكَلاَمِ بِالزِّنَا وَإِلَّا تُعَادُ بِهِ وَبِالْيَمِينِ لَتَفِيَنَّ لَهُ بِهِ‏؟‏ قَالَ لاَ وَلاَ تَحْرُمُ إلَّا بِالزِّنَا وَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ بِالشَّهْوَةِ، قُلْت أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ إذَا نَكَحَهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَيَقَعْ عَلَيْهَا وَقَذَفَهَا أَوْ نَفَى وَلَدَهَا أَوَيُحَدُّ لَهَا وَيُلاَعِنُ أَوْ آلَى مِنْهَا أَيَلْزَمُهُ إيلاَءٌ أَوْ ظَاهَرَ أَيَلْزَمُهُ ظِهَارٌ أَوْ مَاتَ أَتَرِثُهُ أَوْ مَاتَتْ أَيَرِثُهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَقَعَ عَلَيْهَا طَلاَقُهُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ زَنَى بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا أَتَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَنْكُوحَةَ بَعْدَ ثَلاَثٍ أَوْ قَذَفَهَا أَيُلاَعِنُهَا أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ أَوْ مَاتَ أَتَرِثُهُ أَوْ مَاتَتْ أَيَرِثُهَا‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَلِمَ‏؟‏ أَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت لَهُ وَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَأُمَّهَاتُهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْبِنْتِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت لَهُ وَلَوْ نَكَحَ الْأُمَّ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يُفَارِقَهَا حَلَّتْ لَهُ الْبِنْتُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت قَدْ وَجَدْت الْعُقْدَةَ تُثْبِتُ لَك عَلَيْهَا أُمُورًا مِنْهَا لَوْ مَاتَتْ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَتُثْبِتُ بَيْنَك وَبَيْنَهَا مَا يَثْبُتُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الظِّهَارِ وَالْإِيلاَءِ وَاللِّعَانِ فَلَمَّا افْتَرَقْتُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ حُرِّمَتْ عَلَيْك أُمُّهَا وَلَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْك بِنْتُهَا فَلِمَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا وَحَرَّمْت مَرَّةً بِالْعُقْدَةِ وَالْجِمَاعِ وَأُخْرَى بِالْعُقْدَةِ دُونَ الْجِمَاعِ‏؟‏ قَالَ لَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الرَّبِيبَةَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ وَذَكَرَ الْأُمَّ مُبْهَمَةً فَرَّقْت بَيْنَهُمَا قُلْت فَلِمَ لَمْ تَجْعَلْ الْأُمَّ قِيَاسًا عَلَى الرَّبِيبَةِ وَقَدْ أَحَلَّهَا غَيْرُ وَاحِدٍ‏؟‏ قَالَ لَمَّا أَبْهَمَ اللَّهُ الْأُمَّ أَبْهَمْنَاهَا فَحَرَّمْنَاهَا بِغَيْرِ الدُّخُولِ وَوَضَعْت الشَّرْطَ فِي الرَّبِيبَةِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ اجْتِمَاعُهُمَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَوْجَةٌ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَزْوَاجِ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُحَرِّمُ صَاحِبَتَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ يُوجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا خَبَرٌ لاَزِمٌ قُلْت لَهُ فَالْحَلاَلُ أَشَدُّ مُبَايَنَةً لِلْحَرَامِ أَمْ الْأُمِّ لِلِابْنَةِ‏؟‏ قَالَ بَلْ الزِّنَا لِلْحَلاَلِ أَشَدُّ فِرَاقًا قُلْت فَلِمَ فَرَّقْت بَيْنَ الْأُمِّ وَالِابْنَةِ وَقَدْ اجْتَمَعْنَا فِي خِصَالٍ وَافْتَرَقْنَا فِي وَاحِدَةٍ وَجَمَعْت بَيْنَ الزِّنَا وَالْحَلاَلِ وَهُوَ مُفَارِقٌ لَهُ عِنْدَك فِي أَكْثَرِ أَمْرِهِ وَعِنْدَنَا فِي كُلِّ أَمْرِهِ‏؟‏ فَقَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ يُوجِدُكُمْ الْحَرَامُ يُحَرِّمُ الْحَلاَلَ، قُلْت لَهُ فِي مِثْلِ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ‏؟‏ قَالَ لاَ وَلَكِنْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الصَّلاَةِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالنِّسَاءِ قِيَاسٌ عَلَيْهِ قُلْت لَهُ أَفَتُجِيزُ لِغَيْرِك أَنْ يَجْعَلَ الصَّلاَةَ قِيَاسًا عَلَى النِّسَاءِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ‏؟‏ قَالَ أَمَّا فِي كُلِّ شَيْءٍ فَلاَ فَقُلْت لَهُ الْفَرْقُ لاَ يَصْلُحُ إلَّا بِخَبَرٍ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى خَبَرٍ لاَزِمٍ، قُلْت فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَنَا أَقِيسُ الصَّلاَةَ بِالنِّسَاءِ وَالنِّسَاءَ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ حَيْثُ تُفَرِّقُ وَأُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ تَقِيسُ فَمَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ‏؟‏ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ إلَّا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ، قُلْت وَلاَ لَك قَالَ أَجَلْ قُلْت لَهُ وَصَاحِبُك قَدْ أَخْطَأَ الْقِيَاسَ إنْ قَاسَ شَرِيعَةً بِغَيْرِهَا وَأَخْطَأَ لَوْ جَازَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسُ قَالَ وَأَيْنَ أَخْطَأَ‏؟‏ قُلْت صِفْ قِيَاسَهُ قَالَ‏:‏ قَالَ الصَّلاَةُ حَلاَلٌ وَالْكَلاَمُ فِيهَا حَرَامٌ فَإِذَا تَكَلَّمَ فِيهَا فَسَدَتْ صَلاَتُهُ فَقَدْ أَفْسَدَ الْحَلاَلَ بِالْحَرَامِ فَقُلْت لَهُ لِمَ زَعَمْت أَنَّ الصَّلاَةَ فَاسِدَةٌ لَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا‏؟‏ الصَّلاَةُ لاَ تَكُونُ فَاسِدَةً وَلَكِنَّ الْفَاسِدَ فِعْلُهُ لاَ هِيَ وَلَكِنِّي قُلْت لاَ تُجْزِئُ عَنْكَ الصَّلاَةُ مَا لَمْ تَأْتِ بِهَا كَمَا أُمِرْت فَلَوْ زَعَمْت أَنَّهَا فَاسِدَةٌ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ مَعْنَى مَا أَفْسَدْت بِهِ النِّكَاحَ قَالَ وَكَيْفَ‏؟‏ قُلْت أَنَا أَقُولُ لَهُ عُدْ لِصَلاَتِك الْآنَ فَائْتِ بِهَا كَمَا أُمِرْت وَلاَ أَزْعُمُ أَنَّ حَرَامًا عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لَهَا وَلاَ أَنَّ كَلاَمَهُ فِيهَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْعَوْدَةِ إلَيْهَا وَلاَ تَفْسُدُ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا وَلاَ يُفْسِدُهَا إفْسَادُهُ إيَّاهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلاَ نَفْسِهِ قَالَ وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ قُلْت وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا قَبَّلَ امْرَأَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا أَبَدًا قَالَ أَجَلْ قُلْت وَتَحِلُّ لَهُ هِيَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَتَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَهَكَذَا قُلْت فِي الصَّلاَةِ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَفَتَرَاهُمَا يَشْتَبِهَانِ‏؟‏ قَالَ أَمَّا الْآنَ فَلاَ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُنَا الْمَاءُ حَلاَلٌ وَالْخَمْرُ حَرَامٌ فَإِذَا صَبَّ الْمَاءَ فِي الْخَمْرِ حَرُمَ الْمَاءُ وَالْخَمْرُ فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت إذَا صَبَبْت الْمَاءَ فِي الْخَمْرِ أَمَا يَكُونُ الْمَاءُ الْحَلاَلُ مُسْتَهْلَكًا فِي الْحَرَامِ‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت أَفَتَجِدُ الْمَرْأَةُ الَّتِي قَبَّلَهَا لِلشَّهْوَةِ وَابْنَتَهَا كَالْخَمْرِ وَالْمَاءِ‏؟‏ قَالَ وَتُرِيدُ مَاذَا‏؟‏ قُلْت أَتَجِدُ الْمَرْأَةَ مُحَرَّمَةً عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا تَجِدُ الْخَمْرَ مُحَرَّمَةً عَلَى كُلِّ أَحَدٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت أَوَتَجِدُ الْمَرْأَةَ وَابْنَتَهَا تَخْتَلِطَانِ اخْتِلاَطَ الْمَاءِ وَالْخَمْرِ حَتَّى لاَ تَعْرِفَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبَتِهَا كَمَا لاَ يُعْرَفُ الْخَمْرُ مِنْ الْمَاءِ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَفَتَجِدُ الْقَلِيلَ مِنْ الْخَمْرِ إذَا صُبَّ فِي كَثِيرِ الْمَاءِ نَجَّسَ الْمَاءَ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَفَتَجِدُ قَلِيلَ الزِّنَا وَالْقُبْلَةِ لِلشَّهْوَةِ لاَ تُحَرِّمُ وَيُحَرِّم كَثِيرُهَا‏؟‏ قَالَ لاَ وَلاَ يُشْبِهُ أَمْرُ النِّسَاءِ الْخَمْرَ وَالْمَاءَ قُلْت فَكَيْفَ قَاسَهُ بِالْمَرْأَةِ‏؟‏ وَلَوْ قَاسَهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّمَ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَبَّلَهَا وَزَنَى بِهَا وَابْنَتَهَا كَمَا حَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَاءَ قَالَ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَمَا هَذَا بِقِيَاسٍ قُلْت فَكَيْفَ قَبِلْت هَذَا مِنْهُ‏؟‏ قَالَ مَا وَجَدْنَا أَحَدًا قَطُّ بَيَّنَ هَذَا لَنَا كَمَا بَيَّنْته وَلَوْ كَلَّمَ صَاحِبُنَا بِهَذَا لَظَنَنْت أَنَّهُ لاَ يُقِيمُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَكِنَّهُ عَقْلٌ وَضَعْفٌ مِنْ كَلِمَةٍ قُلْت أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي رَجُلٍ يَعْصِي اللَّهَ فِي امْرَأَةٍ فَيَزْنِي بِهَا فَلاَ يُحَرِّمُ الزِّنَا عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَهَا وَهِيَ الَّتِي عَصَى اللَّهَ فِيهَا إذَا أَتَاهَا بِالْوَجْهِ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا وَهُوَ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ فِي ابْنَتِهَا‏؟‏ فَهَلْ رَأَيْت قَطُّ عَوْرَةً أَبْيَنَ مِنْ عَوْرَةِ هَذَا الْقَوْلِ‏؟‏ قَالَ فَالشَّعْبِيُّ قَالَ قَوْلُنَا قُلْت فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِنَا كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ وَلاَ مَا أَوْجَدْنَاك مِنْ الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ أَكَانَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ عِنْدَك حُجَّةً‏؟‏ قَالَ لاَ وَقَدْ رَوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قُلْت مِنْ وَجْهٍ لاَ يَثْبُتُ، قَالَ نُقِلَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُنَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِمْ وَقَالَ الْحَقُّ عِنْدَك وَالْعَدْلُ فِي قَوْلِكُمْ وَلَمْ يَصْنَعْ أَصْحَابُنَا شَيْئًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْنَا بِمَا وَصَفْت وَأَقَامَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى خِلاَفِ قَوْلِنَا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِمَا وَصَفْت قَالَ فَقَالَ لِي فَاجْمَعْ فِي هَذَا قَوْلاً قُلْت إذَا حُرِّمَ الشَّيْءُ بِوَجْهٍ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحْرُمُ بِاَلَّذِي يُخَالِفُهُ كَمَا إذَا أُحِلَّ شَيْءٌ بِوَجْهٍ لَمْ يَحِلَّ بِاَلَّذِي يُخَالِفُهُ وَالْحَلاَلُ ضِدُّ الْحَرَامِ وَالنِّكَاحُ حَلاَلٌ وَالزِّنَا ضِدُّ النِّكَاحِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَك الْفَرْجُ بِالنِّكَاحِ وَلاَ يَحِلُّ لَك بِالزِّنَا الَّذِي يُخَالِفُهُ‏؟‏ فَقَالَ لِي مِنْهُمْ قَائِلٌ فَإِنَّا رَوَيْنَا عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا قَالَ قُلْت لَهُ وَلاَ يَدْفَعُ هَذَا وَأَصْغَرُ ذَنْبًا مِنْ الزَّانِي بِالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا، وَالْمَرْأَةِ بِلاَ ابْنَةٍ مَلْعُونٌ، قَدْ لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمَوْصُولَةُ وَالْمُخْتَفِي قَالَ الرَّبِيعُ الْمُخْتَفِي النَّبَّاشُ وَالْمُخْتَفِيَةُ، فَالزِّنَا أَعْظَمُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مَلْعُونًا بِالزِّنَا بِأَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْظُرْ إلَى فَرْجِ أُمٍّ وَلاَ ابْنَتِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَوْعَدَ عَلَى الزِّنَا، وَلَوْ كُنْت إنَّمَا حَرَّمْته مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُحَرِّمَ عَلَى الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ إنْ زَنَى بِهَا أَبُوهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ مَعَ فَرْجِ امْرَأَتِهِ إلَى فَرْجِ أُمِّهَا وَلاَ ابْنَتِهَا وَلَوْ كُنْت حَرَّمْته لِقَوْلِهِ مَلْعُونٌ لَزِمَك مَكَانُ هَذَا فِي آكِلِ الرِّبَا وَمُؤْكِلِهِ وَأَنْتَ لاَ تَمْنَعُ مَنْ أَرْبَى إذَا اشْتَرَى بِأَجَلٍ أَنْ يَحِلَّ لَهُ غَيْرُ السِّلْعَةِ الَّتِي أَرْبَى وَلاَ إذَا اخْتَفَى قَبْرًا مِنْ الْقُبُورِ أَنْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ غَيْرَهُ وَيَحْفِرَ هُوَ إذَا ذَهَبَ الْمَيِّتُ بِالْبِلَى قَالَ أَجَلْ قُلْت فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ لاَ يَمْنَعُ الْحَرَامُ الْحَلاَلَ كَمَا قُلْت فِي الَّذِي أَرْبَى وَاخْتَفَى‏؟‏

مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَحَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِمَائِهِمْ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ‏}‏ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلاََمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَنْ نِكَاحِ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا نَهَى عَنْ إنْكَاحِ رِجَالِهِمْ قَالَ وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ تَحْتَمِلاَنِ مَعْنَيَيْنِ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِمَا مُشْرِكُو أَهْلِ الْأَوْثَانِ خَاصَّةً فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِحَالِهِ لَمْ يُنْسَخْ وَلاَ شَيْءٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ أَنْ لاَ يَنْكِحَ مُسْلِمٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً كَمَا لاَ يَنْكِحُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُسْلِمَةً قَالَ وَقَدْ قِيلَ هَذَا فِيهَا وَفِيمَا هُوَ مِثْلُهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ قَالَ وَتَحْتَمِلاَنِ أَنْ تَكُونَا فِي جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وَتَكُونُ الرُّخْصَةُ نَزَلَتْ بَعْدَهَا فِي حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً كَمَا جَاءَتْ فِي ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ بَيْنِ الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ لاَ تَحِلُّ مُشْرِكَةٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِنِكَاحٍ وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَنْكِحَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا حُرَّةً وَلاَ مِنْ الْإِمَاءِ إلَّا مُسْلِمَةً وَلاَ تَحِلُّ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الشَّرْطَانِ مَعًا فَيَكُونَ نَاكِحُهَا لاَ يَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَيَكُونَ يَخَافُ الْعَنَتَ إنْ لَمْ يَنْكِحْهَا وَهَذَا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَرَكَ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ وَإِنْ نَكَحَهَا فَلاَ بَأْسَ وَهِيَ كَالْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ فِي الْقَسْمِ لَهَا وَالنَّفَقَةِ وَالطَّلاَقِ وَالْإِيلاَءِ وَالظِّهَارِ وَالْعِدَّةِ وَكُلِّ أَمْرٍ غَيْرَ أَنَّهُمَا لاَ يَتَوَارَثَانِ وَتَعْتَدُّ مِنْهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَعِدَّةَ الطَّلاَقِ وَتَجْتَنِبُ فِي عِدَّتِهَا مَا تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّةُ وَكَذَلِكَ الصَّبِيَّةُ وَيُجْبِرُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالتَّنْظِيفِ فَأَمَّا الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ فَإِنْ نَكَحَهَا وَهُوَ يَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ فُسِخَ النِّكَاحُ وَلَكِنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلاً ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ انْعَقَدَتْ صَحِيحَةً فَلاَ يُفْسِدُهَا مَا بَعْدَهَا، وَلَوْ عَقَدَ نِكَاحَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ فَقَدْ قِيلَ تَثْبُتُ عُقْدَةُ الْحُرَّةِ وَعُقْدَةُ الْأَمَةِ مَفْسُوخَةٌ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ هِيَ مَفْسُوخَةٌ مَعًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ لاَ يَصْلُحُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ يَجِدُ طَوْلاً إلَى حُرَّةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِمَ قُلْت لاَ يَحِلُّ نِكَاحُ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ‏؟‏ فَقُلْت اسْتِدْلاَلاً بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَأَيْنَ مَا اسْتَدْلَلْت مِنْهُ‏؟‏ فَقُلْت قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلاََمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ لاَ يُحِلُّ لِمَنْ لَزِمَهُ اسْمُ كُفْرٍ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ وَلاَ أَمَةٍ بِحَالٍ أَبَدًا وَلاَ يَخْتَلِفُ فِي هَذَا أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ عَامَّتَانِ وَاسْمَ الْمُشْرِكِ لاَزِمٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ‏}‏ فَلَمْ نَخْتَلِفْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ أَنَّهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً إذَا خُصِّصَ وَتَكُونُ الْإِمَاءُ مِنْهُنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمُشْرِكَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فَقَالَ إنَّا نَقُولُ قَدْ يُحِلُّ اللَّهُ الشَّيْءَ وَيَسْكُتُ عَنْ غَيْرِهِ غَيْرَ مُحَرِّمٍ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ وَإِذَا أَحَلَّ حَرَائِرَهُمْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إحْلاَلِ إمَائِهِمْ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِالْآيَتَيْنِ الْمُشْرِكِينَ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَقُلْت‏:‏ أَرَأَيْت إنْ عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك الَّتِي قُلْت فَقَالَ وَجَدْت فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمًا مُخَالِفًا حُكْمَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَوَجَدْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَ نِكَاحَ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا تُقَاسُ إمَاؤُهُمْ بِحَرَائِرِهِمْ فَكَذَلِكَ أَنَا أَقِيسُ رِجَالَهُمْ بِنِسَائِهِمْ فَأَجْعَلُ لِرِجَالِهِمْ أَنْ يَنْكِحُوا الْمُسْلِمَاتِ إذَا كَانُوا خَارِجِينَ مِنْ الْآيَتَيْنِ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَالْإِرْخَاصُ فِي حَرَائِرِ نِسَائِهِمْ لَيْسَ الْإِرْخَاصُ فِي أَنْ يَنْكِحَ رِجَالُهُمْ الْمُسْلِمَاتِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ فَإِنْ قَالَ لَك وَلَكِنَّهُ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ قَالَ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ قِيَاسًا وَإِنَّمَا قُصِدَ بِالتَّحْلِيلِ عَيْنٌ مِنْ جُمْلَةٍ مُحَرَّمَةٍ قُلْت فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك لِأَنَّ إمَاءَهُمْ غَيْرُ حَرَائِرِهِمْ كَمَا رِجَالُهُمْ غَيْرُ نِسَائِهِمْ وَإِنَّمَا حَرَائِرُهُمْ مُسْتَثْنَوْنَ مِنْ جُمْلَةٍ مُحَرَّمَةٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ قَدْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنْ لاَ يَحِلَّ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْكِحَ مُسْلِمَةً‏.‏ قُلْت‏:‏ فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَيْك لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَرَّمُوا ذَلِكَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرَخَّصُوا فِي الْحَرَائِرِ بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْإِمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَإِذَا اخْتَلَفُوا فَالْحُجَّةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَك لِمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ حَرَّمَهُنَّ فَقَدْ وَافَقَ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ لِأَنَّهُنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمُشْرِكَاتِ وَبَرِئُوا مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْحَرَائِر الْمَخْصُوصَات بِالتَّحْلِيلِ قَالَ وَقُلْنَا لاَ يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ إلَّا بِأَنْ لاَ يَجِدَ نَاكِحُهَا طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَلاَ تَحِلُّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلاً لِحُرَّةٍ حَتَّى يَخَافَ الْعَنَتَ فَيَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ لَهُمَا أُبِيحَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَخَالَفَنَا فَقَالَ‏:‏ يَحِلُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ فَقَالَ لَنَا مَا الْحُجَّةُ فِيهِ‏؟‏ فَقُلْت كِتَابُ اللَّهِ الْحُجَّةُ فِيهِ‏.‏ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنْ لاَ يَحِلَّ نِكَاحُ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ مَا وَصَفْنَا مِنْ الدَّلاَلَةِ عَلَيْهِ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ‏}‏ وَاسْتَثْنَى إحْلاَلَهُ لِلْمُضْطَرِّ أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا حَلَّتْ الْمَيْتَةُ بِحَالٍ لِوَاحِدٍ مَوْصُوفٍ وَهُوَ الْمُضْطَرُّ حَلَّتْ لِمَنْ لَيْسَ فِي صِفَتِهِ‏؟‏ قَالَ لاَ‏.‏ قُلْت وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالطَّهُورِ وَأَرْخَصَ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ أَنْ يَقُومَ الصَّعِيدُ مَقَامَ الْمَاءِ لِمَنْ يَعُوزُهُ الْمَاءُ فِي السَّفَرِ وَلِلْمَرِيضِ مِثْلُ الْمَحْذُورِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ بِغَيْرِ إعْوَازٍ أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أُجِيزَ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي السَّفَرِ عَلَى غَيْرِ إعْوَازٍ كَمَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَبَدًا إلَّا لِمَعُوزٍ مُسَافِرٍ وَإِذَا أُحِلَّ شَيْءٌ بِشَرْطٍ لَمْ يَحْلُلْ إلَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ اثْنَيْنِ‏.‏ قُلْت‏:‏ وَكَذَلِكَ حِينَ أَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ فِي الظِّهَارِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَصُومَ وَهُوَ يَجِدُ عِتْقَ رَقَبَةٍ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏:‏ فَقُلْت لَهُ قَدْ أَصَبْت‏:‏ فَإِنْ كَانَتْ لَك بِهَذَا حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ لَوْ خَالَفَك فَكَذَلِكَ هِيَ عَلَيْك فِي إحْلاَلِك نِكَاحَ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏ وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَرَائِرِهِمْ وَنِكَاحِ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّه فِيهِنَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلاً وَلِمَنْ يَخَافُ الْعَنَتَ وَمَا يَلْزَمُهُ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِمَّا وَصَفْنَا وَفِيمَا وَصَفْت كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ قَالَ‏:‏ فَمِنْ أَصْحَابِك مَنْ قَالَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْمُسْلِمَاتِ بِكُلِّ حَالٍ قُلْت فَالْحُجَّةُ عَلَى مَنْ أَجَازَ نِكَاحَ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ الْحُجَّةُ عَلَيْك وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ نِكَاحُهُنَّ إلَّا بِمَعْنَى الضَّرُورَةِ إلَّا أَنْ لاَ يَجِدَ النَّاكِحُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَيَخَافَ الْعَنَتَ فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ مَعَهُ الْحَقُّ‏.‏

باب التَّعْرِيضِ فِي خِطْبَة النِّكَاح

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏ أَنَّهُ يَقُولُ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا إنَّك عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وَأَنِّي فِيك لَرَاغِبٌ فَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْك خَيْرًا وَرِزْقًا وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ كِتَابُ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ فِي الْعِدَّةِ جَائِزٌ لِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التَّعْرِيضِ إلَّا مَا نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ مِنْ السِّرِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاسِمُ بَعْضَهُ وَالتَّعْرِيضُ كَثِيرٌ وَاسِعٌ جَائِزٌ كُلُّهُ وَهُوَ خِلاَفُ التَّصْرِيحِ وَهُوَ مَا يُعَرِّضُ بِهِ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ مِمَّا يَدُلُّهَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خِطْبَتَهَا بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ وَالسِّرُّ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَجْمَعُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَنَّهُ تَصْرِيحٌ وَالتَّصْرِيحُ خِلاَفُ التَّعْرِيضِ وَتَصْرِيحٌ بِجِمَاعٍ وَهَذَا كَأَقْبَحِ التَّصْرِيحِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ السِّرَّ الْجِمَاعُ‏؟‏ قِيلَ فَالْقُرْآنُ كَالدَّلِيلِ عَلَيْهِ إذَا أَبَاحَ التَّعْرِيضَ وَالتَّعْرِيضُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ جَائِزٌ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَإِذَا كَانَ هَذَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ السِّرَّ سِرُّ التَّعْرِيضِ وَلاَبُدَّ مِنْ مَعْنًى غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى الْجِمَاعُ‏.‏

وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ‏:‏

أَلاَ زَعَمْت بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي *** كَبُرْت وَأَنْ لاَ يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي‏.‏

كَذَبْت لَقَدْ أَصْبَى عَلَى الْمَرْءِ عُرْسُهُ *** وَأَمْنَعُ عُرْسِي أَنْ يَزْنِ بِهَا الْخَالِي‏.‏

وَقَالَ جَرِيرٌ يَرْثِي امْرَأَتَهُ‏:‏

كَانَتْ إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ فِرَاشَهَا *** خَزْنَ الْحَدِيثِ وَعَفَّتْ الْأَسْرَارَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ حَدِيثَهَا مَخْزُونٌ فَخَزْنُ الْحَدِيثِ أَنْ لاَ يُبَاحَ بِهِ سِرًّا وَلاَ عَلاَنِيَةً فَإِذَا وَصَفَهَا فَلاَ مَعْنَى لِلْعَفَافِ غَيْرَ الْإِسْرَارِ وَالْإِسْرَارُ الْجِمَاعُ‏.‏

مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَزْوَاجَ أَنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ أُجُورَهُنَّ وَصَدُقَاتِهِنَّ وَالْأَجْرُ هُوَ الصَّدَاقُ وَالصَّدَاقُ هُوَ الْأَجْرُ وَالْمَهْرُ وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ تُسَمَّى بِعِدَّةِ أَسْمَاءٍ فَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالصَّدَاقِ مَنْ فَرَضَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ حَقٌّ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ حَبْسٌ لِشَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ‏}‏ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لاَ يَلْزَمُ إلَّا بِأَنْ يَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسُهُ أَوْ يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ الثَّلاَثَ كَانَ أَوْلاَهَا أَنْ يُقَالَ بِهِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الدَّلاَلَةُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ فَاسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ‏}‏ عَلَى أَنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ تَصِحُّ بِغَيْرِ فَرِيضَةِ صَدَاقٍ‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَقَعُ إلَّا عَلَى مَنْ تَصِحُّ عُقْدَةُ نِكَاحِهِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ بِهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِلاَفَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ، الْبُيُوعُ لاَ تَنْعَقِدُ إلَّا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ اسْتِدْلاَلُنَا عَلَى أَنَّ الْعُقْدَةَ تَصِحُّ بِالْكَلاَمِ وَأَنَّ الصَّدَاقَ لاَ يُفْسِدُ عُقْدَةَ النِّكَاحِ أَبَدًا وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِمَهْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ حَرَامٍ ثَبَتَتْ الْعُقْدَةُ بِالْكَلاَمِ وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا أُصِيبَتْ عَلَى أَنَّهُ لاَ صَدَاقَ عَلَى مَنْ طَلَّقَ إذَا لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَالْمَسِيسِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا بِالآيَةِ وَبِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يُرِيدُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالنِّكَاحِ وَالْمَسِيسِ بِغَيْرِ مَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْكِحَ فَيَمَسَّ إلَّا لَزِمَهُ مَهْرٌ مَعَ دَلاَلَةِ الْآيِ قَبْلَهُ‏.‏

وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا‏}‏ عَلَى أَنْ لاَ وَقْتَ فِي الصَّدَاقِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لِتَرْكِهِ النَّهْيَ عَنْ الْقِنْطَارِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَتَرْكِهِ حَدًّا لِلْقَلِيلِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِجْمَاعِ فَنَقُولُ أَقَلُّ مَا يَجُوزُ فِي الْمَهْرِ أَقَلُّ مَا يَتَمَوَّلُ النَّاسُ مِمَّا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَمَا يَتَبَايَعُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قِيلَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَدُّوا الْعَلاَئِقَ»‏.‏ قِيلَ وَمَا الْعَلاَئِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ»‏.‏ وَلاَ يَقَعُ اسْمُ عَلَقٍ إلَّا عَلَى مَا يُتَمَوَّلُ وَإِنْ قَلَّ وَلاَ يَقَعُ اسْمُ مَالٍ إلَّا عَلَى مَا لَهُ قِيمَةٌ يُبَاعُ بِهَا وَتَكُونُ إذَا اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ أَدَّى قِيمَتَهَا وَإِنْ قَلَّتْ وَمَا لاَ يَطْرَحُهُ النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِثْلُ الْفَلْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الَّذِي يَطْرَحُونَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْقَصْدُ فِي الْمَهْرِ أَحَبُّ إلَيْنَا وَأَسْتَحِبُّ أَنْ لاَ يَزِيدَ فِي الْمَهْرِ عَلَى مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَبَنَاتِهِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ‏.‏ طَلَبُ الْبَرَكَةِ فِي كُلِّ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ رضي الله عنها‏:‏ كَمْ كَانَ صَدَاقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قَالَتْ كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشَّ قَالَتْ أَتَدْرِي مَا النَّشُّ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لاَ قَالَتْ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَذَاكَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلاً فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عِنْدَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ‏؟‏ فَقَالَ مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي هَذَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت لاَ إزَارَ لَك قَالَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا قَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَالْخَاتَمُ مِنْ الْحَدِيدِ لاَ يَسْوَى دِرْهَمًا وَلاَ قَرِيبًا مِنْهُ وَلَكِنْ لَهُ ثَمَنٌ قَدْرُ مَا يَتَبَايَعُ بِهِ النَّاسُ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الَّذِي قَبْلَ هَذَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ‏.‏

باب الْخِلاَفِ فِي الصَّدَاقِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّدَاقَ غَيْرَ مُوَقَّتٍ وَاخْتَلَفَ الصَّدَاقُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَفَعَ وَانْخَفَضَ وَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ مَا وَصَفْنَا مِنْ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَقَالَ مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ، وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِي الَّتِي لاَ يُفْرَضُ لَهَا إذَا أُصِيبَتْ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ وَالثَّمَنُ مَا تَرَاضَى بِهِ مَنْ يَجِبُ لَهُ وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَنْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَعَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ فَتَرَاضَى بِهِ الزَّوْجَانِ كَانَ صَدَاقًا وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَقَالَ لاَ يَكُونُ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَسَأَلْنَا عَنْ حُجَّتِنَا بِمَا قُلْنَا فَذَكَرْنَا لَهُ مَا قُلْنَا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فِيمَا كَتَبْنَا وَقُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ خَالَفْتنَا‏؟‏ قَالَ رَوَيْنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَكُونُ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَذَلِكَ مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ قُلْت قَدْ حَدَّثْنَاكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا ثَابِتًا وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ وَحَدِيثُك عَمَّنْ حَدَّثْت عَنْهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ‏؟‏ قَالَ فَيَقْبُحُ أَنْ نُبِيحَ فَرْجًا بِشَيْءٍ تَافِهٍ‏؟‏ قُلْنَا أَرَأَيْت رَجُلاً لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِدِرْهَمٍ أَيَحِلُّ لَهُ فَرْجُهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَقَدْ أَحْلَلْت الْفَرْجَ بِشَيْءٍ تَافِهٍ وَزِدْت مَعَ الْفَرْجِ رَقَبَةً وَكَذَلِكَ تُبِيحُ عَشْرَ جَوَارٍ بِدِرْهَمٍ فِي الْبَيْعِ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت شَرِيفًا يَنْكِحُ امْرَأَةً دَنِيَّةً سَيِّئَةَ الْحَالِ بِدِرْهَمٍ أَدِرْهَمٌ أَكْثَرُ لَهَا عَلَى قَدْرِهَا وَقَدْرِهِ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ جَمِيلَةٍ فَاضِلَةٍ مِنْ رَجُلٍ دَنِيءٍ صَغِيرِ الْقَدْرِ‏؟‏ قَالَ بَلْ عَشْرَةٌ لِهَذِهِ لِقَدْرِهَا أَقَلَّ قُلْت‏:‏ فَلِمَ تُجِيزُ لَهَا التَّافِهَ فِي قَدْرِهَا‏؟‏ وَأَنْتَ لَوْ فَرَضْت لَهَا مَهْرًا فَرَضْته الْأَقَلَّ وَلَوْ فَرَضْت لِأُخْرَى لَمْ تُجَاوِزْ بِهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَثِيرٌ لَهَا وَلاَ يُجَاوِزُ بِهِ مَهْرَ مِثْلِهَا قَالَ رَضِيت بِهِ قُلْت فَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا مِائَةَ مَرَّةٍ أَجَزْته لَهَا وَعَلَيْهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَلَيْسَ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهِ‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت قَدْ رَضِيت الدَّنِيئَةَ بِدِرْهَمٍ وَهُوَ لَهَا بِقَدْرِهَا أَكْثَرُ فَزِدْتهَا عَلَيْهِ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ قُلْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ‏:‏ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَرَضِيَتْ بِمِائَةٍ أَلْحَقْتهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَأَصْدَقَهَا رَجُلٌ عَشْرَةَ آلاَفٍ رَدَدْتهَا إلَى أَلْفٍ حَتَّى يَكُونَ الصَّدَاقُ مُؤَقَّتًا عَلَى أَلْفٍ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِهَا‏؟‏ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْت وَتَجْعَلُهُ هَهُنَا كَالْبُيُوعِ تُجِيزُ فِيهِ التَّغَابُنَ لِأَنَّ النَّاكِحَ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ وَالْمَنْكُوحَةَ رَضِيَتْ بِالنُّقْصَانِ وَأَجَزْت عَلَى كُلٍّ مَا رَضِيَ بِهِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَكَذَلِكَ لَوْ نَكَحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَأَصَابَهَا جَعَلْت لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا عَشْرَةً كَانَ أَوْ أَلْفًا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَأَسْمَعُك تُشَبِّهُ الْمَهْرَ بِالْبَيْعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَلَغَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَتُجِيزُ فِيهِ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ ثُمَّ تَرُدُّهُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِصَدَاقٍ وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُيُوعِ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَقُولُ إذَا رَضِيت بِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ رَدَدْتهَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهَا عَشْرَةَ وَالْبَيْعُ عِنْدَك إذَا رَضِيَ فِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ أَجَزْته قُلْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ‏:‏ لاَ أَرَاك قُمْت مِنْ الصَّدَاقِ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَدِلُ فِيهِ قَوْلُك فَأَرْجِعُ بِك فِي الصَّدَاقِ إلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا‏}‏ وَذِكْرُ الصَّدَاقِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ حَدًّا فَتَجْعَلُ الصَّدَاقَ قِنْطَارًا لاَ أَنْقَصَ مِنْهُ وَلاَ أَزْيَدَ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَفْرِضْهُ عَلَى النَّاسِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقَ أَقَلَّ مِنْهُ وَأَصْدَقَ فِي زَمَانِهِ وَأَجَازَ أَقَلَّ مِنْهُ فَقُلْنَا قَدْ أَوْجَدْنَاك رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ فِي الصَّدَاقِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَرَكْته وَقُلْت بِخِلاَفِهِ وَقُلْت مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ وَمَا لِلْيَدِ وَالْمَهْرُ وَقُلْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ أُحِدُّ الصَّدَاقَ وَلاَ أُجِيزُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ هُوَ ثَمَنٌ لِلْمَرْأَةِ لاَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ فِي الْبِكْرِ كَالْجِنَايَةِ فَفِيهِ أَرْشُ جَائِفَةٍ أَوْ قَالَ لاَ يَكُونُ أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ‏؟‏ قَالَ لَيْسَ الْمَهْرُ مِنْ هَذَا بِسَبِيلٍ قُلْت أَجَلْ وَلاَ مِمَّا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ بَلْ بَعْضُ هَذَا أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مِمَّا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ إنْ كَانَ هَذَا مِنْهُ بَعِيدًا‏.‏

باب مَا جَاءَ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْإِجَارَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ الصَّدَاقُ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ فَكُلُّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ إلَى الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهَا الثَّوْبَ وَيَبْنِيَ لَهَا الْبَيْتَ وَيَذْهَبَ بِهَا الْبَلَدَ وَيَعْمَلَ لَهَا الْعَمَلَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا‏؟‏ قِيلَ إذَا كَانَ الْمَهْرُ ثَمَنًا كَانَ فِي مَعْنَى هَذَا وَقَدْ أَجَازَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْإِجَارَةِ فِي كِتَابِهِ وَأَجَازَهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ وَذَكَرَ قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى صلى الله عليهما وسلم فِي النِّكَاحِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏قَالَتْ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْت الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك إحْدَى ابْنَتَيْ هَاتَيْنِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا‏}‏ قَالَ وَلاَ أَحْفَظُ مِنْ أَحَدٍ خِلاَفًا فِي أَنَّ مَا جَازَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فَمَنْ نَكَحَ بِأَنْ يَعْمَلَ عَمَلاً فَعَمِلَهُ كُلَّهُ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَمَلِ وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْهُ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ عَمِلَ نِصْفَهُ فَإِنْ فَاتَ الْمَعْمُولُ بِأَنْ يَكُونَ ثَوْبًا فَهَلَكَ كَانَ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ أَوْ عَمَلِهِ مَا كَانَ قَالَ الرَّبِيعُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَقَالَ يَكُونُ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ يَجُوزُ هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ تَعْلِيمِ الْخَيْرِ فَإِنَّهُ لاَ أَجْرَ عَلَى تَعْلِيمِ الْخَيْرِ، وَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا خَيْرًا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلٌ رَجُلاً عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ خَيْرًا قُرْآنًا وَلاَ غَيْرَهُ، وَلَوْ صَلُحَ هَذَا كَانَ تَعْلِيمُ الْخَيْرِ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي خِيَاطَةِ الثَّوْبِ إذَا عَلَّمَهَا الْخَيْرَ وَطَلَّقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أَجْرِ تَعْلِيمِ ذَلِكَ الْخَيْرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ أَجْرِ تَعْلِيمِ ذَلِكَ الْخَيْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا وَيُعَلِّمَهَا وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ عَلَى السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ مَعًا لَوْ تَابَعْنَا فِي تَجْوِيزِ الْأَجْرِ عَلَى تَعْلِيمِ الْخَيْرِ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا قَالَ الرَّبِيعُ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ‏:‏ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهَا ثَوْبًا بِعَيْنِهِ أَوْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَهَلَكَ الثَّوْبُ قَبْلَ أَنْ يَخِيطَهُ أَوْ هَلَكَ الشَّيْءُ الَّذِي بِعَيْنِهِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ صَدَاقِ مِثْلِهَا‏.‏

وَاحْتَجَّ بِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدِينَارٍ فَهَلَكَ الشَّيْءُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَجَعَ بِدِينَارِهِ فَأَخَذَهُ فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ إنَّمَا مَلَكَتْ خِيَاطَةَ الثَّوْبِ بِبُضْعِهَا فَلَمَّا هَلَكَ الثَّوْبُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِيَاطَتِهِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا مَلَكَتْ بِهِ الْخِيَاطَةَ وَهُوَ بُضْعُهَا وَهُوَ الثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَتْ بِهِ الْخِيَاطَةَ قَالَ الرَّبِيعُ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله تعالى‏.‏

باب النَّهْيِ أَنْ يَخْطُب الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لاَ يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لاَ يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَحْتَمِلاَنِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْهُمَا إذَا خَطَبَ غَيْرُهُ امْرَأَةً أَنْ لاَ يَخْطُبَهَا حَتَّى تَأْذَنَ أَوْ يَتْرُكَ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ الْخَاطِبَ أَوْ سَخِطَتْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ رِضَا الْمَخْطُوبَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَاطِبُ الْآخَرُ أَرْجَحَ عِنْدَهَا مِنْ الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَضِيَتْهُ تَرَكَتْ مَا رَضِيَتْ بِهِ الْأَوَّلَ فَكَانَ هَذَا فَسَادًا عَلَيْهِ وَفِي الْفَسَادِ مَا يُشْبِهُ الْإِضْرَارَ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَانَ أَوْلاَهُمَا أَنْ يُقَالَ بِهِ مَا وَجَدْنَا الدَّلاَلَةَ تُوَافِقُهُ فَوَجَدْنَا الدَّلاَلَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ أَنْهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَاضِيَةً قَالَ وَرِضَاهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَنْ تَأْذَنَ بِالنِّكَاحِ بِنَعَمْ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَنْ تَسْكُتَ فَيَكُونَ ذَلِكَ إذْنَهَا وَقَالَ لِي قَائِلٌ أَنْتَ تَقُولُ‏:‏ الْحَدِيثُ عَلَى عُمُومِهِ وَظُهُورِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ مَعْنًى غَيْرَ الْعَامِّ وَالظَّاهِرِ حَتَّى تَأْتِيَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ قُلْت‏:‏ فَكَذَلِكَ أَقُولُ قَالَ فَمَا مَنَعَك أَنْ تَقُولَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «لاَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَإِنْ لَمْ تُظْهِرْ الْمَرْأَةُ رِضَا أَنَّهُ لاَ يَخْطُبُ حَتَّى يَتْرُكَ الْخِطْبَةَ فَكَيْفَ صِرْت فِيهِ إلَى مَا لاَ يَحْتَمِلُهُ الْحَدِيثُ بَاطِنًا خَاصًّا دُونَ ظَاهِرٍ عَامٍّ‏؟‏ قُلْت بِالدَّلاَلَةِ قَالَ وَمَا الدَّلاَلَةُ‏؟‏ قُلْت أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْت أَخْبَرْته أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ فَكَرِهَتْهُ فَقَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ لِي فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْت بِهِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقُلْت لَهُ قَدْ أَخْبَرَتْهُ فَاطِمَةُ أَنَّ رَجُلَيْنِ خَطَبَاهَا وَلاَ أَحْسِبُهُمَا يَخْطُبَانِهَا إلَّا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ خِطْبَةُ أَحَدِهِمَا خِطْبَةَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَخْطُبُ اثْنَانِ مَعًا فِي وَقْتٍ فَلَمْ تَعْلَمْهُ قَالَ لَهَا مَا كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ يَخْطُبَك وَاحِدٌ حَتَّى يَدَعَ الْآخَرُ خِطْبَتَك وَلاَ قَالَ ذَلِكَ لَهَا وَخَطَبَهَا هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِهَا أَنَّهَا رَضِيَتْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلاَ سَخِطَتْهُ وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُرْتَادَةٌ وَلاَ رَاضِيَةٌ بِهِمَا وَلاَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمُنْتَظِرَةٌ غَيْرَهُمَا أَوْ مُمِيلَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُسَامَةَ وَنَكَحَتْهُ دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْخِطْبَةَ وَاسِعَةٌ لِلْخَاطِبَيْنِ مَا لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَالَ أَرَأَيْت إنْ قُلْت هَذَا مُخَالِفٌ حَدِيثَ «لاَ يَخْطُبُ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَهُوَ نَاسِخٌ لَهُ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ أَوَيَكُونُ نَاسِخٌ أَبَدًا إلَّا مَا يُخَالِفُهُ الْخِلاَفُ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَفَيُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْحَالَ الَّتِي يَخْطُبُ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ بَعْدَ الرِّضَا مَكْرُوهَةٌ وَقَبْلَ الرِّضَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ لِاخْتِلاَفِ حَالِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الرِّضَا وَبَعْدَهُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏.‏ قُلْت لَهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُطْرَحَ حَدِيثٌ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ لاَ يُخَالِفَهُ وَلاَ يَدْرِي أَيُّهُمَا النَّاسِخُ أَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ حَدِيثُ فَاطِمَةَ النَّاسِخُ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِكُلِّ حَالٍ مَا حُجَّتُك عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُ حُجَّتِك عَلَى مَنْ خَالَفَك فَقَالَ أَنْتَ وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا احْتَمَلَ الْحَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلاَ لَمْ يُطْرَحْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَأَبِنْ لِي ذَلِكَ قُلْت لَهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَأَرْخَصَ فِي أَنْ يُسْلِفَ فِي الْكَيْلِ الْمَعْلُومِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَهَذَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُلْت النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك بِعَيْنِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْك فَأَمَّا الْمَضْمُونُ فَهُوَ بَيْعُ صِفَةٍ فَاسْتَعْمَلْنَا الْحَدِيثَيْنِ مَعًا قَالَ هَكَذَا نَقُولُ قُلْت هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْك قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ لاَ يَخْطُبُ رَضِيَتْ أَوْ لَمْ تَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَهَذَا خِلاَفَ الْحَدِيثِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي أَنْ يَكُفَّ عَنْ خِطْبَتِهَا حَتَّى يَتْرُكَهَا مَنْ لَعَلَّهُ يُضَارُّهَا وَلاَ يَتْرُكُ خِطْبَتَهَا أَبَدًا قَالَ هَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَنَا أَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَكِنْ قَدْ قَالَ غَيْرُك لاَ يَخْطُبُهَا إذَا رَكَنَتْ وَجَاءَتْ الدَّلاَلَةُ عَلَى الرِّضَا بِأَنْ تَشْتَرِطَ لِنَفْسِهَا فَكَيْفَ زَعَمْت بِأَنَّ الْخَاطِبَ لاَ يَدَعُ الْخِطْبَةَ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَلاَ يَدَعُهَا حَتَّى تَنْطِقَ الثَّيِّبُ بِالرِّضَا وَتَسْكُتَ الْبِكْرُ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ لَمَّا وَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَرُدُّ خِطْبَةَ أَبِي جُهَيْمٍ وَمُعَاوِيَةَ فَاطِمَةَ وَيَخْطُبُهَا عَلَى أُسَامَةَ عَلَى خِطْبَتِهِمَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ مَخْرَجٌ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَذْكُرْ رِضًا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ النُّطْقِ بِالرِّضَا وَالسُّكُوتِ عَنْهُ عِنْدَ الْخِطْبَةِ مَنْزِلَةٌ مُبَايِنَةٌ لِحَالِهَا الْأُولَى عِنْدَ الْخِطْبَةِ فَإِنْ قُلْت الرُّكُونُ وَالِاشْتِرَاطُ‏؟‏ قُلْت لَهُ أَوَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا عِنْدَ الرُّكُونِ وَالِاشْتِرَاطِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ حَتَّى تَنْطِقَ بِالرِّضَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَتَسْكُتَ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، فَقُلْت لَهُ أَرَى حَالَهَا عِنْدَ الرُّكُونِ وَبَعْدَ غَيْرِ الرُّكُونِ بَعْدَ الْخِطْبَةِ سَوَاءٌ لاَ يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنَّهَا رَاكِنَةٌ مُخَالِفَةٌ حَالَهَا غَيْرَ رَاكِنَةٍ، قُلْت أَرَأَيْت إذَا خَطَبَهَا فَشَتَمَتْهُ وَقَالَتْ لَسْت لِذَلِكَ بِأَهْلٍ وَحَلَفَتْ لاَ تَنْكِحُهُ ثُمَّ عَاوَدَ الْخِطْبَةَ فَلَمْ تَقُلْ‏:‏ لاَ وَلاَ نَعَمْ أَحَالُ الْأُخْرَى مُخَالِفَةٌ لِحَالِهَا الْأُولَى‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت أَفَتَحْرُمُ خِطْبَتُهَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْت لِاخْتِلاَفِ حَالِهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ لِأَنَّ الْحُكْمَ لاَ يَتَغَيَّرُ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِهَا إنَّمَا تَسْتَبِينُ فِي قَوْلِك إذَا كَشَفَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي تَكُفُّ فِيهَا عَنْ الرِّضَا غَيْرُ الْحَالِ الَّتِي تَنْطِقُ فِيهَا بِالرِّضَا حَتَّى يَجُوزَ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهَا فِيهَا قَالَ هَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيهَا، قُلْت فَأَظْهَرُهَا أَوْلاَهَا بِنَا وَبِك‏.‏

مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ‏}‏ فَانْتَهَى عَدَدُ مَا رَخَّصَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ إلَى أَرْبَعٍ لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ إلَّا مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ يَجْمَعُهُنَّ وَمِنْ النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَقَالَ عَزَّ وَعَلاَ‏:‏ ‏{‏خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ أَحْسِبُهُ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ شَكَّ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ غَيْلاَنَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ «نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدَّيْلَمِيِّ‏:‏ قَالَ أَسْلَمْت وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا فَعَمَدْت إلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَجُوزًا عَاقِرًا مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتهَا»‏.‏

أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ عَنْ أَبِي خِرَاشٍ «عَنْ الدَّيْلَمِيِّ أَوْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ فَسَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَ أَيَّتَهمَا شِئْت وَأُفَارِقَ الْأُخْرَى»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَبِهَذَا نَقُولُ إذَا أَسْلَمَ الْمُشْرِكُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَمْسَكَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا أَيَّتَهنَّ شَاءَ وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ لِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ يُجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فِي الْإِسْلاَمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أُبَالِي كُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ أَيَّتُهُنَّ فَارَقَ الْأُولَى مِمَّنْ نَكَحَ أَمْ الْآخِرَةَ إذَا كَانَ مَنْ يَمْسِكُ مِنْهُنَّ غَيْرَ ذَاتِ مَحْرَمٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلاَمِ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهَا بِكُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسْلِمَ وَعِنْدَهُ أُخْتَانِ فَلاَ بُدَّ أَنْ يُفَارِقَ أَيَّتَهمَا شَاءَ لِأَنَّ مُحَرَّمًا بِكُلِّ وَجْهٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِسْلاَمِ وَمِثْلُهُ أَنْ يَكُونَ نَكَحَ امْرَأَةً وَابْنَتَهَا فَأَصَابَهُمَا فَيَحْرُمُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي الْإِسْلاَمِ وَقَدْ أَصَابَهُمَا بِالنِّكَاحِ الَّذِي قَدْ يَجُوزُ مِثْلُهُ‏.‏

وَلَوْ نَكَحَ أُخْتَيْنِ مَعًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قُلْت لَهُ فَارِقْ أَيَّتَهمَا شِئْت وَأَمْسِكْ الْأُخْرَى وَلاَ أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَى أَيَّتِهِمَا نَكَحَ أَوَّلاً وَهَذَا الْقَوْلُ كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى السُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ وَعِنْدَهُ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ كَانَا عَلَى النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَوْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ وَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ إصَابَتُهَا إلَّا أَنْ تُسْلِمَ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَلَهُ وَطْءُ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة بِالْمِلْكِ، وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ وَثَنِيَّةٍ وَلاَ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكٍ إذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَذَلِكَ لِلدِّينِ فِيهِمَا وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطِئَ سَبِيَّةً عَرَبِيَّةً حَتَّى أَسْلَمَتْ وَإِذْ «حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً وَثَنِيَّةً حَتَّى تُسْلِمَ فِي الْعِدَّةِ» دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لاَ تُوطَأَ مَنْ كَانَتْ عَلَى دِينِهَا حَتَّى تُسْلِمَ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ‏.‏

باب الْخِلاَفِ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ مَا حُجَّتُك أَنْ يُفَارِقَ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ وَإِنْ فَارَقَ اللَّاتِي نَكَحَ أَوَّلاً وَلَمْ تَقُلْ يَمْسِكُ الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ وَيُفَارِقُ سَائِرَهُنَّ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ بِحَدِيثِ الدَّيْلَمِيِّ وَحَدِيثِ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ أَفَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَوْ كَانَا غَيْرَ ثَابِتَيْنِ أَيَكُونُ لَك فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةٌ‏؟‏ قُلْت نَعَمْ وَمَا عَلَيَّ فِيمَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَالَ هَلْ فِيهِ حُجَّةٌ غَيْرُهُ بَلْ عَلَيَّ وَعَلَيْك التَّسْلِيمُ وَذَلِكَ طَاعَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ هَذَا كُلُّهُ كَمَا قُلْت وَعَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ بِهِ إنْ كَانَ ثَابِتًا قُلْت إنْ كُنْت لاَ تُثْبِتُ مِثْلَهُ وَأَضْعَفَ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْك حُجَّةٌ فِيهِ فَارْدُدْ مَا كَانَ مِثْلَهُ قَالَ فَأُحِبُّ أَنْ تُعْلِمَنِي هَلْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةٌ لَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ قَالَ وَأَيْنَ هِيَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لَمَّا أَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْلاَنَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمْسِكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ‏:‏ الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فِيمَا يَحِلُّ لَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعْنًى غَيْرُهُ عَلَّمَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ مُبْتَدِئٌ لِلْإِسْلاَمِ لاَ عِلْمَ لَهُ قَبْلَ إسْلاَمِهِ فَيَعْلَمُ بَعْضًا وَيَسْكُتُ لَهُ عَمَّا يَعْلَمُ فِي غَيْرِهِ قَالَ أَوَلَيْسَ قَدْ يُعَلِّمُهُ الشَّيْئَيْنِ فَيُؤَدِّي أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ بَلَى قَالَ فَلِمَ جَعَلْت هَذَا حُجَّةً وَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِ مَا قُلْت‏؟‏ قُلْت لَهُ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْعَفْوُ عَمَّا فَاتَ مِنْ ابْتِدَاءِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَمَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ مِنْ الْعَدَدِ فَلَمَّا لَمْ يَسْأَلْ عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ أَوَّلاً وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ أَصْلِ عُقْدَةِ نِكَاحِهِنَّ‏.‏

وَكَانَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ لاَ يَعْقِدُونَ نِكَاحًا إلَّا نِكَاحًا لاَ يَصْلُحُ أَنْ يُبْتَدَأَ فِي الْإِسْلاَمِ فَعَفَاهُ وَإِذَا عَفَا عَقْدًا وَاحِدًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ فَائِتٌ فِي الشِّرْكِ فَسَوَاءٌ كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ فِيهِ بِأَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِسْلاَمِ فَأَكْثَرُ مَا فِي النِّكَاحِ الزَّوَائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي الشِّرْكِ بِأَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ فَاسِدًا كَفَسَادِ مَا وَصَفْنَا فَإِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْفُو عَنْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَيُقِرُّهُمْ عَلَى نِكَاحِهِمْ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا عِنْدَنَا فَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ مَا عَقَدَ بَعْدَ الْأَرْبَعِ فِي الشِّرْكِ يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ أَكْثَرَ حَالاَتِهِنَّ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ فَاسِدًا وَلاَ شَيْءَ أَوْلَى أَنْ يُشَبَّهَ بِشَيْءٍ مِنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ يُعْفَى عَنْهُ بِعَقْدٍ يُعْفَى عَنْهُ‏.‏

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا لاَكْتَفَى بِهَا فَكَيْفَ وَمَعَهُ تَخْيِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ وَتَرَكَ مَسْأَلَتَهُ عَنْ الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ كَمَا تَرَكَ مَسْأَلَةَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَنْ نِكَاحِهِ لِيَعْلَمَ أَفَاسِدٌ أَمْ صَحِيحٌ وَهُوَ مَعْفُوٌّ يَجُوزُ كُلُّهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ حَظَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلاَمِ مَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُجَاوِزَ بَعْدَهُ أَرْبَعًا وَمِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَحَكَمَ فِي الْعَقْدِ بِفَوَاتِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حُكْمَ مَا قَبَضَ مِنْ الرِّبَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ فَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُكْمِ اللَّهِ فِي أَنْ لَمْ يَرُدَّ مَا قُبِضَ مِنْ الرِّبَا لِأَنَّهُ فَاتَ وَرَدَّ مَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْهُ لِأَنَّ الْإِسْلاَمَ أَدْرَكَهُ غَيْرَ فَائِتٍ فَكَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إنْ لَمْ يُرِدْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ فَاتَ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لاَ يَتَبَعَّضُ فَيُجَازُ بَعْضُهُ وَيُرَدُّ بَعْضُهُ وَحَكَمَ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلاَمُ مِنْ النِّسَاءِ عُقْدَةَ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَلاَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ فَائِتٍ أَدْرَكَهُنَّ الْإِسْلاَمُ مَعَهُ كَمَا أَدْرَكَ مَا لَمْ يَفُتْ مِنْ الرِّبَا بِقَبْضٍ‏.‏

قَالَ أَفَتُوجِدُنِي سِوَى هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُقْدَةَ فِي النِّكَاحِ تَكُونُ كَالْعُقْدَةِ فِي الْبُيُوعِ، وَالْفَوْتُ مَعَ الْعُقْدَةِ‏؟‏ فَقُلْت فِيمَا أَوْجَدْتُك كِفَايَةٌ قَالَ‏:‏ فَاذْكُرْ غَيْرَهُ إنْ عَلِمْته قُلْت أَرَأَيْت امْرَأَةً نَكَحْتهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَأَصَبْتهَا أَوْ بِمَهْرٍ فَاسِدٍ‏؟‏ قَالَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لاَ يَنْفَسِخُ قُلْت لَهُ وَلَوْ عَقَدْت الْبَيْعَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مُسَمًّى أَوْ ثَمَنٍ مُحَرَّمٍ رُدَّ الْبَيْعُ إنْ وُجِدَ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدَيْك كَانَ عَلَيْك قِيمَتُهُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت‏:‏ أَفَتَجِدُ عَقْدَ النِّكَاحِ هَهُنَا أُخِذَ كَعَقْدِ الْبَيْعِ يَرْبُونَهُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا مَنَعَك فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ تَقُولَ هُوَ كَفَائِتِ مَا اقْتَسَمُوا عَلَيْهِ وَقَبَضُوا الْقَسْمَ وَمَا أَرْبَوْا فَمَضَى قَبْضُهُ وَلاَ أَرُدُّهُ، وَقُلْت أَرَأَيْت قَوْلَك اُنْظُرْ إلَى الْعُقْدَةِ فَإِنْ كَانَتْ لَوْ اُبْتُدِئَتْ فِي الْإِسْلاَمِ جَازَتْ أَجَزْتهَا وَإِنْ كَانَتْ لَوْ اُبْتُدِئَتْ فِي الْإِسْلاَمِ رُدَّتْ رَدَدْتهَا أَمَّا ذَلِكَ فِيمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ وَنَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَا قَطَعَ عَنْك مَوْضِعَ الشَّكِّ قَالَ فَإِنَّمَا كَلَّمْتُك عَلَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا عَلَى مَا وَصَفْت وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا فِي الْحَدِيثِ فَقُلْت لَهُ‏:‏ هَذَا لَوْ كَانَ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْك وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلاَلَةٌ كُنْت مَحْجُوجًا عَلَى لِسَانِك مَعَ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلاَلَةً عِنْدَنَا عَلَى قَوْلِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ‏:‏ فَأَوْجَدَنِي مَا يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ قَوْلِي لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلاَلَةٌ بَيِّنَةٌ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلاً ابْتَدَأَ فِي الْإِسْلاَمِ نِكَاحًا بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ أَيَجُوزُ‏؟‏ قَالَ لاَ وَلاَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمْ لاَ يَكُونُونَ شُهَدَاءَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قُلْت‏:‏ أَفَرَأَيْت غَيْلاَنَ بْنَ سَلَمَةَ أَمِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ كَانَ قَبْلَ الْإِسْلاَمِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت أَفَرَأَيْت أَحْسَنَ مَا كَانَ عِنْدَهُ أَلَيْسَ أَنْ يَنْكِحَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت‏:‏ فَإِذَا زَعَمْت أَنْ يُقِرَّ مَعَ أَرْبَعٍ وَأَحْسَنُ حَالِهِ فِيهِنَّ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ أَمَا خَالَفْت أَصْلَ قَوْلِك‏؟‏ قَالَ إنَّ هَذَا لَيَلْزَمُنِي، قُلْت‏:‏ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ غَيْرُهُ كُنْت مَحْجُوجًا مَعَ أَنَّا لاَ نَدْرِي لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَنْكِحُونَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ وَفِي الْعِدَّةِ‏:‏ قَالَ إنَّ هَذَا لَيُمْكِنُ فِيهِمْ وَيُرْوَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْكِحُونَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَفِي الْعِدَّةِ قَالَ أَجَلْ وَلَكِنْ لَمْ أَسْمَعْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ سَأَلَهُمْ أَصْلَ نِكَاحِهِمْ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك قَائِلٌ كَمَا قُلْت لَنَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُمْ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَيْك فِي الْخَبَرِ قَالَ إذًا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ عَلَيَّ قُلْت لَهُ أَفَتَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَكُونَ لِمَا لَمْ يُؤَدِّ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ أَصْلِ الْعُقْدَةِ كَانَ ذَلِكَ عَفْوًا عَنْ الْعُقْدَةِ لِأَنَّهَا لاَ تَكُونُ لِأَهْلِ الْأَوْثَانِ إلَّا عَلَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا فِي الْإِسْلاَمِ مُسْلِمٌ أَوْ تَكُونُ تَقُولُ فِي الْعُقْدَةِ قَوْلَك فِي عَدَدِ النِّسَاءِ أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَحْرُمُ بِكُلِّ وَجْهٍ عَلَيْهِ فَتَقُولُ يَبْتَدِئُونَ مَعًا لِلنِّكَاحِ فِي الْإِسْلاَمِ قَالَ لاَ أَقُولُهُ قُلْت وَمَا مَنَعَك أَنْ تَقُولَهُ‏؟‏ أَلَيْسَ بِأَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْعُقْدَةَ مَعْفُوَّةٌ لَهُمْ‏؟‏ قَالَ بَلَى، قُلْت‏:‏ وَإِذَا كَانَتْ مَعْفُوَّةً لَمْ يَنْظُرْ إلَى فَسَادِهَا كَمَا لاَ يَنْظُرُ إلَى فَسَادِ نِكَاحِ مَنْ لاَ يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَلاَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَلاَ مَا جَاوَزَتْ أَرْبَعًا قَالَ وَالْعُقْدَةُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا قَالَ قُلْت فَكَيْفَ جَمَعْت بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ وَنَظَرْت إلَى فَسَادِهَا مَرَّةً وَلَمْ تَنْظُرْ إلَيْهِ أُخْرَى‏؟‏ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا قَالَ يُمْسِكُ أَرْبَعًا أَيَّتَهنَّ شَاءَ وَيُفَارِقُ سَائِرَهُنَّ وَعَابَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ نَحْنُ نُفَرِّقُ بَيْنَ مَا لاَ يَتَفَرَّقُ فِي الْعُقُولِ بِقَوْلِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ إذَا جَاءَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي أَلْزَمَنَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَكِنْ حُدَّ لِي فِيهِ حَدًّا‏.‏ قُلْت فِي نِكَاحِ الشِّرْكِ شَيْئَانِ عُقْدَةٌ وَمَا يَحْرُمُ مِمَّا تَقَعُ عَلَيْهِ الْعُقْدَةُ بِكُلِّ وَجْهٍ وَمُجَاوَزَةُ أَرْبَعٍ فَلَمَّا رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَاوَزَ أَرْبَعًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ عَلَى النَّاكِحِ وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمَّا لَمْ يَسْأَلْ عَنْ الْعُقْدَةِ عَلِمْت أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْعُقْدَةِ فَعَفَوْنَا عَمَّا عَفَا عَنْهُ وَانْتَهَيْنَا عَنْ إفْسَادِ عَقْدِهَا إذَا كَانَتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مِمَّنْ تَحِلُّ بِحَالٍ وَلَوْلاَ ذَلِكَ رَدَدْنَا نِكَاحَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ كُلَّهُ وَقُلْنَا ابْتَدِئُوهُ فِي الْإِسْلاَمِ حَتَّى يُعْقَدَ بِمَا يَحِلَّ فِي الْإِسْلاَمِ‏.‏

باب نِكَاحِ الْوُلاَةِ وَالنِّكَاحُ بِالشَّهَادَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ وَقَالَ فِي الْإِمَاءِ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَهَذِهِ الْآيَةُ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلاَلَةً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تَنْكِحَ نَفْسَهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ تَرَى ابْتِدَاءَ الآيَةِ مُخَاطَبَةُ الْأَزْوَاجِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ‏}‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ غَيْرَ الْأَزْوَاجِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ بِبُلُوغِ أَجَلِهَا لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ ‏{‏فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَزْوَاجِ‏:‏ ‏{‏فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ نَهَيَا أَنْ يَرْتَجِعَهَا ضِرَارًا لِيَعْضُلَهَا فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهَا لاَ تَحْتَمِلُهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُشَارِفَةَ بُلُوغَ أَجَلِهَا وَلَمْ تَبْلُغْهُ لاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ النِّكَاحِ بِآخِرِ الْعِدَّةِ كَمَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ بِأَوَّلِهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا‏}‏ فَلاَ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَحِلَّ إنْكَاحُ الزَّوْجِ إلَّا مَنْ قَدْ حَلَّ لَهُ الزَّوْجُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ زَوَّجَ أُخْتَهُ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَرَادَ زَوْجُهَا أَوْ أَرَادَتْ أَنْ يَتَنَاكَحَا فَمَنَعَهُ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَخُوهَا وَقَالَ زَوَّجْتُك أُخْتِي وَآثَرْتُك عَلَى غَيْرِك ثُمَّ طَلَّقْتهَا فَلاَ أُزَوِّجُكَهَا أَبَدًا فَنَزَلَتْ ‏{‏فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ‏}‏ وَفِي هَذِهِ الآيَةِ الدَّلاَلَةُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ وَالْمُنْكَحَةِ وَالنَّاكِحِ وَعَلَى أَنَّ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ لاَ يَعْضُلَ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَعْضُلَ فَعَلَى السُّلْطَانِ التَّزْوِيجُ إذَا عَضَلَ لِأَنَّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا فَأَمْرُ السُّلْطَانِ جَائِزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَإِعْطَاؤُهُ عَلَيْهِ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَمَا وَصَفْنَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالسُّلْطَانِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلاَثًا فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلاَلاَتٌ مِنْهَا أَنَّ لِلْوَلِيِّ شِرْكًا فِي بُضْعِ الْمَرْأَةِ وَلاَ يَتِمُّ النِّكَاحُ إلَّا بِهِ مَا لَمْ يَعْضُلْهَا ثُمَّ لاَ نَجِدُ لِشِرْكِهِ فِي بُضْعِهَا مَعْنَى تَمَلُّكِهِ وَهُوَ مَعْنَى فَضْلٍ نُظِرَ بِحِيَاطَةِ الْمَوْضِعِ أَنْ يَنَالَ الْمَرْأَة مَنْ لاَ يُسَاوِيهَا وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى اعْتَمَدَ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَكْفَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَدْعُوَ الْمَرْأَةَ الشَّهْوَةُ إلَى أَنْ تَصِيرَ إلَى مَا لاَ يَجُوزُ مِنْ النِّكَاحِ فَيَكُونُ الْوَلِيُّ أَبْرَأَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ فِيهَا وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيَانُ مِنْ أَنَّ الْعُقْدَةَ إذَا وَقَعَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَهِيَ مُنْفَسِخَةٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَالْبَاطِلُ لاَ يَكُونُ حَقًّا إلَّا بِتَجْدِيدِ نِكَاحِ غَيْرِهِ وَلاَ يَجُوزُ لَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ أَبَدًا لِأَنَّهُ إذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ بَاطِلاً لَمْ يَكُنْ حَقًّا إلَّا بِأَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا جَدِيدًا غَيْرَ بَاطِلٍ وَفِي السُّنَّةِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ إذَا كَانَتْ بِالشُّبْهَةِ فَفِيهَا الْمَهْرُ وَدُرِئَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَدًّا وَفِيهَا أَنَّ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ إذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَكَانَ الْبَعْلُ رِضًا فَإِذَا مَنَعَ مَا عَلَيْهِ زَوَّجَ السُّلْطَانُ كَمَا يُعْطِي السُّلْطَانُ وَيَأْخُذُ مَا مَنَعَ مِمَّا عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَكُونُ فِيهِ إذْنُهُمَا وَهُوَ أَنَّ إذْنَ الْبِكْرِ الصَّمْتُ فَإِذَا كَانَ إذْنُهَا الصَّمْتَ فَإِذْنُ الَّتِي تُخَالِفُهَا الْكَلاَمُ لِأَنَّهُ خِلاَفُ الصَّمْتِ وَهِيَ الثَّيِّبُ وَالثَّانِي أَنَّ أَمَرَهُمَا فِي وِلاَيَةِ أَنْفُسِهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفٌ فَوِلاَيَةُ الثَّيِّبِ أَنَّهَا أَحَقُّ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ هَهُنَا الْأَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دُونَ الْأَوْلِيَاءِ وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُ «خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ حِينَ زَوَّجَهَا أَبُوهَا ثَيِّبًا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهُ» وَالْبِكْرُ مُخَالِفَةٌ لَهَا حِينَ اخْتَلَفَ فِي أَصْلِ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا خَالَفَتْهَا كَانَ الْأَبُ أَحَقَّ بِأَمْرِهَا مِنْ نَفْسِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ اللَّفْظُ بِالْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى فَرْقٍ بَيْنَهُمَا إذْ قَالَ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَأَمَرَ فِي الْبِكْرِ أَنْ تُسْتَأْذَنَ وَلَوْ كَانَتَا مَعًا سَوَاءٌ كَانَ اللَّفْظُ هُمَا أَحَقُّ بِأَنْفُسِهِمَا وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصَّمْتُ وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلاَمُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ أَمَرَ بِاسْتِئْمَارِهَا فَاسْتِئْمَارُهَا يَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِأَمْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُسْتَأْمَرَ عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ نَفْسِهَا وَأَنْ تَطَّلِعَ مِنْ نَفْسِهَا عَلَى أَمْرٍ لَوْ أَطْلَعَتْهُ لِأَبٍ كَانَ شَبِيهًا أَنْ يُنَزِّهَهَا بِأَنْ لاَ يُزَوِّجَهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ قُلْت يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْمِرْهَا قِيلَ لَهُ بِمَا وَصَفْت مِنْ الِاسْتِدْلاَلِ بِفَرْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ إذْ قَالَ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» ثُمَّ قَالَ «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا» فَلاَ يَجُوزُ عِنْدِي إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ حَالُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا وَلاَ يُفَرَّقُ حَالُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا إلَّا بِمَا قُلْت مِنْ أَنَّ لِلْأَبِ عَلَى الْبِكْرِ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَى الثَّيِّبِ كَمَا اسْتَدْلَلْنَا إذْ قَالَ فِي الْبِكْرِ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَلَمْ يَقُلْ فِي الثَّيِّبِ إذْنُهَا الْكَلاَمُ عَلَى أَنَّ إذْنَ الثَّيِّبِ خِلاَفُ الْبِكْرِ وَلاَ يَكُونُ خِلاَفَ الصَّمْتِ إلَّا النُّطْقُ بِالْإِذْنِ قَالَ فَهَلْ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ دَلاَلَةٍ قِيلَ نَعَمْ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ‏:‏ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنَةُ سَبْعٍ وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ زَوَّجَهُ إيَّاهَا أَبُوهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَبَا الْبِكْرِ أَحَقُّ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ نَفْسِهَا لِأَنَّ ابْنَةَ سَبْعِ سِنِينَ وَتِسْعٍ لاَ أَمْرَ لَهَا فِي نَفْسِهَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوا بِكْرًا حَتَّى تَبْلُغَ وَيَكُونَ لَهَا أَمْرٌ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ لاَ تَقُولُ فِي وَلِيٍّ غَيْرِ الْأَبِ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْبِكْرَ وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ وَجَعَلْتهَا فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِمَنْزِلَةِ الثَّيِّبِ‏؟‏ قُلْت فَإِنَّ الْوَلِيَّ الْأَبُ الْكَامِلُ بِالْوِلاَيَةِ كَالْأُمِّ الْوَالِدَةِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ الْوِلاَيَةُ بَعْدَ الْأَبِ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى فَقْدِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ نَفْسَهُ مِنْ الْوِلاَيَةِ بِالْعَضْلِ كَمَا تَصِيرُ الْأُمُّ غَيْرَ الْأُمِّ كَالْوَالِدَةِ بِمَعْنَى رَضَاعٍ أَوْ نِكَاحِ أَبٍ أَوْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأُمِّ لِأَنَّهَا إذَا قِيلَ أُمٌّ كَانَتْ الْأُمُّ الَّتِي تُعْرَفُ الْوَالِدَةَ أَلاَ تَرَى أَنْ لاَ وِلاَيَةَ لِأَحَدٍ مَعَ أَبٍ وَمَنْ كَانَ وَلِيًّا بَعْدَهُ فَقَدْ يُشْرِكُهُ فِي الْوِلاَيَةِ غَيْرَ الْإِخْوَةِ، وَبَنُو الْعَمِّ مَعَ الْمَوْلَى يَكُونُونَ شُرَكَاءَ فِي الْوِلاَيَةِ وَلاَ يُشْرِكُ الْأَبُ أَحَدًا فِي الْوِلاَيَةِ بِانْفِرَادِهِ بِالْوِلاَيَةِ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ اسْمِ الْأُبُوَّةِ مُطْلَقًا لَهُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا أَوْجَبَ لِلْأُمِّ الْوَالِدَةِ اسْمَ الْأُمِّ مُطْلَقًا لَهَا دُونَ غَيْرِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِئْمَارِ مَنْ لَهُ أَمْرٌ فِي نَفْسِهِ يُرَدُّ عَنْهُ إنْ خُولِفَ أَمْرُهُ وَسَأَلَ عَنْ الدَّلاَلَةِ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِئْمَارِ مَنْ لاَ يَحِلُّ مَحَلَّ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ خِلاَفَ مَا أُمِرَ بِهِ فَالدَّلاَلَةُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ‏}‏ فَإِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ فَمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا وَإِنَّمَا أُمِرَ بِمُشَاوَرَتِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِجَمْعِ الْأُلْفَةِ وَأَنْ يَسْتَنَّ بِالِاسْتِشَارَةِ بَعْدَهُ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ مَا لَهُ وَعَلَى أَنَّ أَعْظَمَ لِرَغْبَتِهِمْ وَسُرُورِهِمْ أَنْ يُشَاوِرُوا لاَ عَلَى أَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَهُ إذَا عَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ أَلاَ تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏.‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ‏}‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلاَ وَرَبِّك لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ نُعَيْمًا أَنْ يُؤَامِرَ أُمَّ ابْنَتِهِ فِيهَا» وَلاَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ أَنْ لَيْسَ لِأُمِّهَا فِيهَا أَمْرٌ وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ وَمَا وَصَفْت أَوَّلاً تَرَى أَنَّ فِي حَدِيثِ نُعَيْمٍ مَا بَيَّنَ مَا وَصَفْت لِأَنَّ ابْنَةَ نُعَيْمٍ لَوْ كَانَ لَهَا أَنْ تَرُدَّ أَمْرَ أَبِيهَا وَهِيَ بِكْرٌ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَسْأَلَتِهَا فَإِنْ أَذِنَتْ جَازَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ رَدَّ عَنْهَا كَمَا رَدَّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْت خِدَامٍ وَلَوْ كَانَ نُعَيْمٌ اسْتَأْذَنَ ابْنَتَهُ وَكَانَ شَبِيهًا أَنْ لاَ يُخَالِفَ أُمَّهَا وَلَوْ خَالَفَهَا أَوْ تَفَوَّتَ عَلَيْهَا فَكَانَ نِكَاحُهَا بِإِذْنِهَا كَانَتْ أُمُّهَا شَبِيهًا أَنْ لاَ تُعَارِضَ نُعَيْمًا فِي كَرَاهِيَةِ إنْكَاحِهَا مَنْ رَضِيَتْ وَلاَ أَحْسِبُ أُمَّهَا تَكَلَّمَتْ إلَّا وَقَدْ سَخِطَتْ ابْنَتُهَا أَوْ لَمْ تَعْلَمْهَا رَضِيَتْ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ حَارِثَةَ «عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَهَذَا مُوَافِقٌ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْكِحَ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيٍّ وَلاَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا وَلاَ يَتِمُّ نِكَاحٌ إلَّا بِرِضَاهُمَا مَعًا وَرِضَا الزَّوْجِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لاَ نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ بِهِ وَيَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ الشُّهُودُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالنِّكَاحُ يَثْبُتُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْوَلِيُّ وَرِضَا الْمَنْكُوحَةِ وَرِضَا النَّاكِحِ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ إلَّا مَا وَصَفْنَا مِنْ الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَالْأَمَةُ يُزَوِّجُهَا السَّيِّدُ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا فَإِنَّهُمَا مُخَالِفَانِ مَا سِوَاهُمَا وَقَدْ تَأَوَّلَ فِيهَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ‏}‏ وَقَالَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ فِيمَا تَأَوَّلَ وَقَالَ هُوَ الزَّوْجُ يَعْفُو فَيَدَعُ مَالَهُ مَنْ أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ وَفِي الآيَةِ كَالدَّلاَلَةِ عَلَى أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الطَّلاَقِ فَإِذَا كَانَ يَتِمُّ بِأَشْيَاءَ فَنَقَصَ مِنْهَا وَاحِدٌ فَهُوَ غَيْرُ تَامٍّ وَلاَ جَائِزٍ فَأَيُّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ نَقَصَ لَمْ يَجُزْ مَعَهُ النِّكَاحُ وَيَجِبُ خَامِسَةً أَنْ يُسَمِّيَ الْمَهْرَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُهُورِ‏.‏

الْخِلاَفُ فِي نِكَاح الْأَوْلِيَاءِ وَالسُّنَّة فِي النِّكَاحِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ‏:‏ إذَا نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ كُفْئًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهَا وَلِيٌّ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهَذَا أَنْ يَكُونَ مَا يُفْعَلُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ حَظَّهَا فَإِذَا أَخَذَتْهُ كَمَا يَأْخُذُهُ الْوَلِيُّ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَذَكَرْت لَهُ لِبَعْضِ مَا وَصَفْت مِنْ الْحُجَّةِ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَقُلْت لَهُ‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ عَارَضَك مُعَارِضٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إنَّمَا أُرِيدَ مِنْ الْإِشْهَادِ أَنْ لاَ يتجاحد الزَّوْجَانِ فَإِذَا نَكَحَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ تَثْبُتُ وَإِنْ عُقِدَتْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، قُلْنَا وَلِمَ‏؟‏ قَالَ لِأَنَّ سُنَّةَ النِّكَاحِ الْبَيِّنَةُ‏.‏

فَقُلْت لَهُ‏:‏ الْحَدِيثُ فِي الْبَيِّنَةِ فِي النِّكَاحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْقَطِعٌ وَأَنْتَ لاَ تُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ وَلَوْ أَثْبَتَّهُ دَخَلَ عَلَيْك الْوَلِيُّ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنَّهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مُتَّصِلٌ قُلْت‏:‏ وَهَكَذَا أَيْضًا الْوَلِيُّ عَنْهُمْ وَالْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ رَدَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ أَفْسَدْت النِّكَاحَ بِتَرْكِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَأَثْبَته بِتَرْكِ الْوَلِيِّ وَهُوَ أَثْبَت فِي الْإِخْبَارِ مِنْ الشَّهَادَةِ‏؟‏ وَلَمْ تَقُلْ إنَّ الشُّهُودَ إنَّمَا جُعِلُوا لِاخْتِلاَفِ الْخَصْمَيْنِ فَيَجُوزُ إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ، وَقُلْت لاَ يَجُوزُ لِعِلَّةٍ فِي شَيْءٍ جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ وَمَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلاَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَاسَ عَلَى سُنَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّا لاَ نَدْرِي لَعَلَّهُ أَمَرَ بِهِ لِعِلَّةٍ أَمْ لِغَيْرِهَا وَلَوْ جَازَ هَذَا لَنَا أَبْطَلْنَا عَامَّةَ السُّنَنِ وَقُلْنَا إذَا نَكَحَتْ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَرَضِيَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَدَاقٌ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا لِأَنَّا إنَّمَا نَأْخُذُ الصَّدَاقَ لَهَا وَأَنَّهَا إذَا عَفَتْ الصَّدَاقَ جَازَ فَنُجِيزُ النِّكَاحَ وَالدُّخُولَ بِلاَ مَهْرٍ فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ فِي الْأَوْلِيَاءِ هَكَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَدْ خَالَفْت صَاحِبِي فِي قَوْلِهِ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَعَلِمْت أَنَّهُ خِلاَفُ الْحَدِيثِ فَلاَ يَكُونُ النِّكَاحُ إلَّا بِوَلِيٍّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ فَقُلْت لَهُ وَإِنَّمَا فَارَقْت قَوْلَ صَاحِبِك وَرَأَيْته مَحْجُوجًا بِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ الْجَائِزُ أَنْ يُشَبِّهَ مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ حَدِيثٌ بِحَدِيثٍ لاَزِمٍ فَأَمَّا أَنْ تَعْمِدَ إلَى حَدِيثٍ وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فَتَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُقَاسَ فَمَا لِلْقِيَاسِ وَلِهَذَا الْمَوْضِعِ إنْ كَانَ الْحَدِيثُ يُقَاسُ‏؟‏ فَأَيْنَ الْمُنْتَهَى إذَا كَانَ الْحَدِيثُ قِيَاسًا‏؟‏ قُلْت مَنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ مِنْهُ جَهْلٌ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ كَمَا جَاءَ‏.‏ قَالَ نَعَمْ‏:‏ قُلْت فَأَنْتَ قَدْ دَخَلْت فِي بَعْضِ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِك قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت زَعَمْت أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يُجِيزَهُ السُّلْطَانُ إذَا رَآهُ احْتِيَاطًا أَوْ يَرُدَّهُ‏:‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت‏:‏ فَقَدْ خَالَفْت الْحَدِيثَ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَعُمَرُ رضي الله عنه يَرُدُّهُ فَخَالَفْتهمَا مَعًا، فَكَيْفَ يُجِيزُ السُّلْطَانُ عُقْدَةً إذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْطَلَهَا‏؟‏ قَالَ وَكَيْفَ تَقُولُ‏؟‏ قُلْت‏:‏ يَسْتَأْنِفُهَا بِأَمْرٍ يُحْدِثُهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةِ الْعُقْدَةِ الْفَاسِدَةِ بَلْ الِاسْتِئْنَافِ وَهُوَ نِكَاحٌ جَدِيدٌ يَرْضَيَانِ بِهِ‏.‏

قُلْت أَرَأَيْت رَجُلاً نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَوْ هِيَ أَيَجُوزُ الْخِيَارُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت‏:‏ وَلِمَ لاَ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ كَالْبُيُوعِ قُلْت وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَ الْعُقْدَةِ فَلَمَّا انْعَقَدَتْ حَلَّ الْجِمَاعُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعُقْدَةُ الَّتِي بِهَا يَكُونُ الْجِمَاعُ بِالنِّكَاحِ تَامًّا أَبَدًا إلَّا وَالْجِمَاعُ مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ فَالْعُقْدَةُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَيْسَ بِمِلْكِ مَالٍ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي هِبَتُهُ لِلْبَائِعِ، وَلِلْبَائِعِ هِبَتُهُ لِلْمُشْتَرِي إنَّمَا هِيَ إبَاحَةُ شَيْءٍ كَانَ مُحَرَّمًا يَحِلُّ بِهَا لاَ شَيْءَ يَمْلِكُهُ مِلْكَ الْأَمْوَالِ‏.‏

قَالَ مَا فِيهِ فَرْقٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا دُونَ هَذَا الْفَرْقِ، قُلْت لَهُ تَرَكْت فِي الْمَرْأَةِ تُنْكَحُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ الْحَدِيثَ وَالْقِيَاسَ وَزَعَمْت أَنَّ الْعُقْدَةَ مَرْفُوعَةٌ وَالْجِمَاعَ غَيْرُ مُبَاحٍ، فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ جَازَتْ وَقَدْ كَانَ الْعَقْدُ فِيهَا غَيْرَ تَامٍّ ثُمَّ زَعَمْت هَذَا أَيْضًا فِي الْمَرْأَةِ يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَقُلْت إنْ أَجَازَتْ النِّكَاحَ جَازَ وَإِنْ رَدَّتْهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَفِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ إنْ أَجَازَ النِّكَاحَ جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَأَجَزْت أَنْ تَكُونَ الْعُقْدَةُ مُنْعَقِدَةً وَالْجِمَاعُ غَيْرَ مُبَاحٍ وَأَجَزْت الْخِيَارَ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ خِلاَفُ السُّنَّةِ وَخِلاَفُ أَصْلٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ‏؟‏ قُلْت كُلُّ عِدَّةٍ انْعَقَدَتْ غَيْرَ تَامَّةٍ يَكُونُ الْجِمَاعُ بِهَا مُبَاحًا فَهِيَ مَفْسُوخَةٌ لاَ نُجِيزُهَا بِإِجَازَةِ رَجُلٍ وَلاَ امْرَأَةٍ وَلاَ وَلِيٍّ وَلاَ سُلْطَانٍ وَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ اسْتِئْنَافٍ بِالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهَا وَكُلُّ مَا زَعَمْت أَنْتَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَا امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ سُلْطَانٍ فَهُوَ مَفْسُوخٌ عِنْدِي، وَقُلْت لَهُ قَالَ صَاحِبُك فِي الصَّبِيَّةِ يُزَوِّجُهَا غَيْرُ الْأَبِ النِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ فَجَعْلُهَا وَارِثَةً مَوْرُوثَةً يُحِلُّ جِمَاعَهَا وَتَخْتَارُ إذَا بَلَغَتْ فَأَجَازَ الْخِيَارَ بَعْدَ إبَاحَةِ جِمَاعِهَا إذَا احْتَمَلَتْ الْجِمَاعَ قَبْلَ تَبْلُغَ قَالَ فَقَدْ خَالَفْنَاهُ فِي هَذَا فَقُلْنَا لاَ خِيَارَ لَهَا وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فَقُلْت لَهُ وَلِمَ أَثْبَتَّ النِّكَاحَ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِغَيْرِ الْأَبِ فَجَعَلْتهَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا أَمْرَهَا غَيْرُ أَبِيهَا وَلاَ خِيَارَ لَهَا، وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا جُعِلَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا عَتَقَتْ لِأَنَّهَا كَانَتْ لاَ تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِأَنْ تَأْذَنَ فَيَجُوزُ عَلَيْهَا وَلاَ تُرَدُّ فَيَرُدُّ عَنْهَا فَلَمْ يَصْلُحْ عِنْدَك أَنْ تَتِمَّ عَلَيْهَا عُقْدَةٌ انْعَقَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْأَمْرُ ثُمَّ يَكُونَ لَهَا أَمْرٌ فَلاَ تَمْلِكُ النِّكَاحَ وَلاَ رَدَّ إجَازَتِهِ‏؟‏ قَالَ فَتَقُولُ مَاذَا‏؟‏ قُلْت لاَ يُثْبِتُ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلاَ صَغِيرٍ إنْكَاحَ أَحَدٍ غَيْرُ أَبِيهَا وَأَبِيهِ وَلاَ يَتَوَارَثَانِ‏؟‏ قَالَ فَإِنَّا إنَّمَا أَجَزْنَاهُ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهَا قُلْت‏:‏ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ لَهَا نَظَرًا يَقْطَعُ بِهِ حَقَّهَا الَّذِي أَثْبَته لَهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ حُرَّةً بَالِغَةً إلَّا بِرِضَاهَا وَذَلِكَ أَنَّ تَزْوِيجَهَا إثْبَاتُ حَقٍّ عَلَيْهَا لاَ تَخْرُجُ مِنْهُ‏.‏

فَإِنْ زَوَّجَهَا صَغِيرَةً ثُمَّ صَارَتْ بَالِغَةً لاَ أَمْرَ لَهَا فِي رَدِّ النِّكَاحِ فَقَدْ قَطَعَتْ حَقَّهَا الْمَجْعُولَ لَهَا وَإِنْ جَعَلْت لَهَا الْخِيَارَ دَخَلَتْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عِبْت مِنْ أَنْ تَكُونَ وَارِثَةً مَوْرُوثَةً وَلَهَا بَعْدُ خِيَارٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ لِي فَقَدْ يَدْخُلُ عَلَيْك فِي الْأَمَةِ مِثْلُ مَا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْت‏:‏ لاَ، الْأَمَةُ أَنَا أُخَيِّرُهَا عِنْدَ الْعَبْدِ بِالِاتِّبَاعِ وَلاَ أُخَيِّرُهَا عِنْدَ الْحُرِّ لِاخْتِلاَفِ حَالِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ انْتَسَبَ حُرًّا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ خَيَّرْتهَا لِأَنَّهُ لاَ يَصِلُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ لَهَا وَالتَّوَصُّلِ إلَيْهَا إلَى مَا يَصِلُ إلَيْهِ الْحُرُّ وَالْأَمَةُ مُخَالِفَةٌ لَهَا وَالْأَمَةُ الثَّيِّبُ الْبَالِغُ يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا كَارِهَةً وَلاَ يُزَوِّجُ الْبَالِغَةَ الْبِكْرَ وَلاَ الصَّغِيرَةَ غَيْرُ الْأَبِ كَارِهَةً‏.‏

قَالَ فَمَا تَرَى لَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَزُوِّجَتْ نَظِيرًا لَهَا أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ‏؟‏ قُلْت‏:‏ أَيَجُوزُ أَنْ أَنْظُرَ إلَيْهَا بِأَنْ أَقْطَعَ الْحَقَّ الَّذِي جُعِلَ لَهَا فِي نَفْسِهَا‏؟‏ هَلْ رَأَيْت فَقِيرًا يَقْطَعُ حَقَّهُ فِي نَفْسِهِ وَلاَ يَقْطَعُ حَقَّ الْغَنِيِّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَدْ بِيعَ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا، قُلْت‏:‏ فِيمَا لاَ بُدَّ لَهَا مِنْهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ أَبِيعُ عَلَى الْغَنِيَّةِ وَفِي النَّظَرِ لَهُمَا أَبِيعُ وَحَقُّهُمَا فِي أَمْوَالِهِمَا مُخَالِفٌ حَقَّهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا، قَالَ‏:‏ فَمَا فَرْقٌ بَيْنَهُمَا‏؟‏ قُلْت‏:‏ أَفَرَأَيْت لَوْ دَعَتْ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ أَوْ الرَّجُلُ الْبَالِغُ الْمَوْلَى عَلَيْهِمَا إلَى بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمَا إمْسَاكُهُ خَيْرٌ لَهُمَا بِلاَ ضَرُورَةٍ فِي مَطْعَمٍ وَلاَ غَيْرِهِ أَتَبِيعُهُ‏؟‏ قَالَ لاَ، قُلْت‏:‏ وَلَوْ وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِ بَعْضِ مَالِهِ فِي ضَرُورَةٍ نَزَلَتْ بِهِ أَوْ حَقٍّ يَلْزَمُهُ أَتَبِيعُهُ وَهُوَ كَارِهٌ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت‏:‏ فَلَوْ دُعِيَتْ الْبَالِغُ إلَى مُنْكِحٍ كُفْءٍ أَتَمْنَعُهَا‏؟‏ قَالَ لاَ‏.‏

قُلْت وَلَوْ خَطَبَهَا فَمَنَعْته أَتُنْكِحُهَا‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت‏:‏ أَفَتَرَى حَقَّهَا فِي نَفْسِهَا يُخَالِفُ حَقَّهَا فِي مَالِهَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ، وَقَدْ يَكُونُ النِّكَاحُ لِلْفَقِيرَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ سَوَاءً، قُلْت لَهُ‏:‏ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنْ لاَ نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَبْلُغَ الْجِمَاعَ فَعَقَدْت عَلَيْهَا النِّكَاحَ وَلَمْ تَأْخُذْ لَهَا مَهْرًا وَلاَ نَفَقَةً وَمَنَعْتهَا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَنْ زَوَّجْته إيَّاهَا وَلَعَلَّ غَيْرَهُ خَيْرٌ لَهَا أَوْ أَحَبُّ إلَيْهَا أَوْ أَوْفَقُ لَهَا فِي دِينٍ أَوْ خُلُقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‏؟‏ فَلَسْت أَرَى عَقْدَك عَلَيْهَا إلَّا خِلاَفَ النَّظَرِ لَهَا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَالِغًا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْك كَانَ النَّظَرُ يَكُونُ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنْ تُوضَعَ فِي كَفَاءَةٍ أَوْ عِنْدَ ذِي دِينٍ أَوْ عِنْدَ ذِي خُلُقٍ أَوْ عِنْدَ ذِي مَالٍ أَوْ عِنْدَ مَنْ تَهْوَى فَتُعَفُّ بِهِ عَنْ التَّطَلُّعِ إلَى غَيْرِهِ وَكَانَ أَحَدٌ لاَ يَقُومُ فِي النَّظَرِ لَهَا فِي الْهَوَى وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمُوَافَقَةِ لَهَا مَقَامَ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ ذَاتَ نَفْسِهَا مِنْ النَّاسِ إلَّا هِيَ فَإِنْكَاحُهَا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً قَدْ يَكُونُ نَظَرًا عَلَيْهَا وَخِلاَفُ النَّظَرِ لَهَا، قَالَ أَمَّا فِي مَوْضِعِ الْهَوَى فِي الزَّوْجِ فَنَعَمْ قُلْت فَهِيَ لَوْ كَانَتْ بَالِغَةً فَدَعَوْتهَا إلَى خَيْرِ النَّاسِ وَدَعَتْ إلَى دُونِهِ إذَا كَانَ كُفْئًا كَانَ الْحَقُّ عِنْدَك أَنَّ زَوْجَهَا مَنْ دَعَتْ إلَيْهِ وَكَانَتْ أَعْلَمَ بِمَنْ يُوَافِقُهَا وَحَرَامٌ عِنْدَك أَنْ تَمْنَعَهَا إيَّاهُ وَلَعَلَّهَا تُفْتَتَنُ بِهِ أَلَيْسَ تَزَوَّجُهُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏.‏

قُلْت فَأَرَاهَا أَوْلَى بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهَا مِنْك وَأَرَى نَظَرَك لَهَا فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ تَنْظُرُ فِيهِ لِنَفْسِهَا قَدْ يَكُونُ عَلَيْهَا، قُلْت أَفَتُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ الْغَنِيَّةَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ، قُلْت‏:‏ قَدْ يَكُونُ تَزْوِيجُهَا نَظَرًا عَلَيْهَا تَمُوتُ فَيَرِثُهَا الَّذِي زَوَّجْتهَا إيَّاهُ وَتَعِيشُ عُمُرًا غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إلَى مَالِ الزَّوْجِ وَمُحْتَاجَةٍ إلَى مُوَافَقَتِهِ وَتَكُونُ أَدْخَلْتهَا فِيمَا لاَ تُوَافِقُهَا‏.‏

وَلَيْسَتْ فِيهَا الْحَاجَةُ الَّتِي اعْتَلَلْت بِهَا فِي الْفَقِيرَةِ، قَالَ فَيَقْبُحُ أَنْ نَقُولَ تُزَوَّجُ الْفَقِيرَةُ وَلاَ تُزَوَّجُ الْغَنِيَّةُ قُلْت كِلاَهُمَا قَبِيحٌ‏.‏

قَالَ فَقَدْ تَزَوَّجَ بَعْضُ التَّابِعِينَ، قُلْت قَدْ نُخَالِفُ نَحْنُ بَعْضَ التَّابِعِينَ بِمَا حُجَّتُنَا فِيهِ أَضْعَفُ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ وَأَنْتَ لاَ تَرَى قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ يَلْزَمُ فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهِ‏؟‏

قُلْت لَهُ أَرَأَيْت إذَا جَامَعْتَنَا فِي أَنْ لاَ نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَاكْتَفَيْنَا إذَا قُلْت بِشَاهِدَيْنِ أَنِّي إنَّمَا أَرَدْت الشَّاهِدَيْنِ الَّذِينَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فَأَمَّا مَنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَلاَ يَجُوزُ النِّكَاحُ بِهِ كَمَا يَكُونُ مَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ مِمَّنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ غَيْرَ مَأْخُوذٍ بِشَهَادَتِهِ حَقٌّ فَقُلْت أَنْتَ تُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الشَّهَادَةِ فَكَيْفَ قُلْت بِالِاسْمِ دُونَ الْعَدْلِ هُنَا وَلَمْ تَقُلْ هُنَاكَ‏؟‏ قَالَ لَمَّا جَاءَ الْحَدِيثُ فَلَمْ يَذْكُرْ عَدْلاً قُلْت هَذَا مَعْفُوٌّ عَنْ الْعَدْلِ فِيهِ فَقُلْت لَهُ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شُهُودَ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالْبَيْعِ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدْلاً وَشَرَطَ الْعَدْلَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك رَجُلٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك إذَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْعَدْلِ وَسَمَّى الشُّهُودَ اكْتَفَيْت بِتَسْمِيَةِ الشُّهُودِ دُونَ الْعَدْلِ‏؟‏ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إذَا ذَكَرَ اللَّهُ الشُّهُودَ وَشَرَطَ فِيهِمْ الْعَدَالَةَ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْعَدَالَةِ فِيهِمْ فِي غَيْرِهِ اسْتَدْلَلْت عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالشُّهُودِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُدُولاً قُلْت وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت لِرَجُلٍ فِي حَقٍّ ائْتِ بِشَاهِدَيْنِ لَمْ تَقْبَلْ إلَّا عُدُولاً‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت أَفَيَعْدُو النِّكَاحُ أَنْ يَكُونَ كَبَعْضِ هَذَا فَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا الْعَدْلُ وَكَالْبُيُوعِ لاَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ الشَّهَادَةِ إذَا تَشَاجَرَ الزَّوْجَانِ أَوْ يَكُونُ فِيهِ خَبَرٌ عَنْ أَحَدٍ يَلْزَمُ قَوْلُهُ فَيَنْتَهِي إلَيْهِ‏؟‏ قَالَ مَا فِيهِ خَبَرٌ وَمَا هُوَ بِقِيَاسٍ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ وَوَجَدْنَا بَعْضَ أَصْحَابِك يَقُولُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَقُلْت لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَبَرًا وَلاَ قِيَاسًا وَجَازَ لَك أَنْ تَسْتَحْسِنَ خِلاَفَ الْخَبَرِ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَك مِنْ الْخَطَأِ شَيْءٌ إلَّا قَدْ أَجَزْته، قَالَ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِك إذَا أُشِيدَ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يَعْقِدْ بِالشُّهُودِ جَازَ وَإِنْ عَقَدَ بِشُهُودٍ وَلَمْ يَشِدْ بِهِ لَمْ يَجُزْ قَالَ الرَّبِيعُ أُشِيدُ يَعْنِي إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فُلاَنٌ تَزَوَّجَ وَفُلاَنَةُ خِدْرٌ فَقُلْت لَهُ أَفَتَرَى مَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ هَذَا فَتُشْبِهُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ‏؟‏ قَالَ لاَ هُوَ خِلاَفُ الْحَدِيثِ وَخِلاَفُ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ كَالْبُيُوعِ فَالْبُيُوعُ يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنْ الشُّهُودِ وَعَنْ الْإِشَادَةِ وَلاَ يَنْقُضُهَا الْكِتْمَانُ أَوْ تَكُونُ سُنَّتُهُ الشُّهُودَ وَالشُّهُودُ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ مَا لَمْ يُعْقَدْ فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلاَ شُهُودٍ لَمْ تُجْزِهِ الْإِشَادَةُ وَالْإِشَادَةُ غَيْرُ شَهَادَةٍ‏.‏

قُلْت لَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ خَطَأً عِنْدَك فَكَيْفَ احْتَجَجْت بِهِ وَبِالسُّنَّةِ عَلَيْهِ‏؟‏ قَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَإِنْ احْتَجَجْت بِاَلَّذِي قَالَ بِالْإِشَادَةِ فَقُلْت إنَّمَا أُرِيدَ بِالْإِشَادَةِ أَنْ يَكُونَ يُذْهِبُ التُّهْمَةَ وَيَكُونُ أَمْرُهُمَا عِنْدَ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ أَنَّهُمَا زَوْجَانِ قُلْت‏:‏ فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ هَذَا فِي الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْبَيْعِ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِمَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ فِي الْإِشَادَةِ أَنَّ فُلاَنًا اشْتَرَى دَارَ فُلاَنٍ أَتَجْعَلُ هَذِهِ بَيْعًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت فَإِنْ كَانُوا أَلْفًا‏؟‏ قَالَ فَإِنِّي لاَ أَقْبَلُ إلَّا الْبَيِّنَةَ الْقَاطِعَةَ قُلْت‏:‏ فَهَكَذَا نَقُولُ لَك فِي النِّكَاحِ بَلْ النِّكَاحُ أَوْلَى لِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ لاَ يَحِلُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَأَصْلَ الْبَيْعِ يَحِلُّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَقُلْت‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ أُشِيدَ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ أَكُنَّا نُلْزِمُهَا النِّكَاحَ بِلاَ بَيِّنَةٍ‏؟‏